أكد إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور سعود الشريم، أن ما أصاب الأمة من وهن ووهم لم يكن بدعاً من الأمر، أو طفرة لم تسبق بمسبباتها، وإنما هو نتيجة شرخ في سياجها المنيع، وثقوب تكاثرت في حيطانها، على حين غفلة من ترميمها وصيانتها، فترادفت عليها حلقات الخطوب، حتى أصبحت كل فتنة تحل بها تقول للأخرى أختي أختي، وما أوجاع الشام إلا خير شاهد على الطغيان والجبروت والظلم والبغي، والله لا يحب الظالمين. ولفت في خطبة الجمعة أمس من المسجد الحرام إلى أن الأمة الموفقة هي تلكم التي تدرك أن حسد القريب أو الصديق قد يفوق في الخطورة عداوة العدو، وأن الأضرار التي تطالها من أغرار بني جلدتها ممن ضعف وازعهم فغلبتهم شهواتهم وشبهاتهم قد تتجاوز في الأضرار ما يصنعه عدوها، لأن في الحسد من دواعي المكر والتربص ما لا يكون في غيره، وقد قيل «كل ذي نعمة محسود». وقال: إن بلاد الحرمين الشريفين لم تسلم من حسدة ماكرين ومتربصين شانئين، يستنشقون البغض والحسد، فيستنثرون القعود لها كل مرصد، لما حباها الله من رعاية الحرمين الشريفين مهبط الوحي، ومهاجر النبي صلى الله عليه وسلم، ورعاية حجاجها ومعتمريها وزائريها، فلم يصمت لأؤلئك لسان ولم يجف لهم قلم في إيذائها بالتحريش والتشويش، ولكن محاولاتهم بحمد الله خائبة فلم تلقَ رجع الصدى لذلكم، وإنما يضرب في صخر صلد يوهن يد صاحب المعول فحسب. وأضاف: فلأجل ذلكم كله نؤكد أن لدى بلاد الحرمين ضرورات لا تقبل التلاعب بها ولا التجارب عليها، فمن أراد أن يفرق ما اجتمع منها أو يشوش ما استقر فيها أو أن يبدل أمنها خوفاً فلا مكان له بيننا جميعاً، بل ستلفظه أفئدتنا، وتطاله سياط ألسنتنا وأقلامنا، فضلاً عن أن نهايته ستكون فشلاً ذريعاً، ثقة بالله ثم بقوة يد حازمة لا تعرف المزاح الأمني ولا الهرطقات الفكرية، ولا مجازفات الفوضى الخلاقة، وأن يد الله مع الجماعة ومن شذ عنهم شذ إلى النار. وقال في خطبته: «لقد أتم الله لعباده أداء الركن الخامس من أركان الإسلام بعد أن وقفوا بعرصات المناسك وقضوا تفثهم وطافوا بالبيت العتيق، فلله وحده سبحانه الفضل والمنة على التيسير والتمام كما يسره وأتمه على من قبلنا. وبيّن أن هذا التمام المبارك ليذكي في خلدنا طيف إتمام الله هذا الدين على نبيه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع التي نعيت إليه فيها نفسه صلى الله عليه وسلم، إذ قال جل شانه: (إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً * فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً). وقال: إنها حجة اجتمع فيها للنبي صلى الله عليه وسلم أمران، أولهما الإشارة إلى دنو أجله، الذي أوضحه النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بقوله: «أيها الناس، اسمعوا قولي فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا». والأمر الآخر هو إتمام هذا الدين وإكماله، فما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقبض روحه وهو لم يبلغ رسالة ربه بتمامها لئلا يكون للناس حجة بأن الدين ناقص. قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)، ولقد اتفق أئمة التفسير على أن هذه الآية نزلت في حجة الوداع، غير أن من المخجل -عباد الله- أن يغيب عن عقول بعض بني المسلمين حقيقة هذه الآية بقصد أو بغير قصد حتى لاكت ألسنتهم وخطت أقلامهم لوثات وشبهات جادلوا بها، فلبّسوا الحق بالباطل، واغتر بهم من الناس أغرار، وإمعون تكلموا فيما لا يعلمون وقرروا ما يشتهون، زاعمين أن الإسلام لا يستطيع ملاءمة الواقع المتجدد والأحداث الحضارية المترادفة، وأن الخطاب الإسلامي ينبغي أن يتغير فهو غير صالح لكل زمان ومكان! وفي المدينةالمنورة أكد إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف الشيخ حسين آل الشيخ في خطبته أن حادثة التدافع في منى لا تعكر الجهود العظيمة والأعمال الكبيرة والخدمات الجبارة التي تبذلها حكومة خادم الحرمين في خدمة الحجاج والمعتمرين والسعي لتقديم كل غالٍ ونفيس في مشاريع إعمار الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة التي لا يعرف لها مثيل، وهذا واجب، ولكن من لا يشكر الناس لا يشكر الله. وقال: لقد آلم الحادث كل مسلم، ولكن الحمد لله على قضائه وقدره وغفر الله جل وعلا لمن مات وجعلهم في عِداد الشهداء وبحكمة الله قدر لهم حسن الخاتمة، فمن مات على شيء بُعث عليه، فأحسن الله عزاء أهليهم وذويهم وعوضهم خيراً وأحسن لهم المثوبة والأجر وعجّل بمنه وكرمه شفاء المصابين. ولفت إلى أن جهود حكومة خادم الحرمين في تنظيم الحج جهود جبارة لا تقف عند حد وبكل اقتدار، ويشهد على ذلك الواقع الملموس. وقال: إن خادم الحرمين الشريفين أولى الحج وخدمة الحجاج وهذا الأمر جل اهتمامه وأمر بالتحقيق العاجل فيه. كما أن خادم الحرمين الشريفين وولي عهده وولي ولي العهد يشرفون بأنفسهم على كل الجهود الجبارة التي لا تقف عند حد كل سنة بمراجعة الخطط وبذل مزيد فيما يخدم مصالح الحج، بل يعدون ذلك من أعظم الواجبات عليهم، فجزاهم الله خيراً. وأكد آل الشيخ أن الدولة السعودية منذ نشأتها قائمة على التوحيد وعلى تطبيق الإسلام وخدمة قضاياه، وقد توالت هذه الحكومة إلى وقتنا هذا وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين تدير الحج ومواسم العمرة طيلة العام بكل اقتدار وافتخار، يشهد على ذلك الواقع الملموس الذي لا ينكره إلا مطموس البصيرة من حاقد أو حاسد على تلك النعمة التي أولاها الله عز وجل ولاة المملكة، والله يختار من يشاء.