أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم المسلمين بتقوى الله عز وجل والعمل على طاعته واجتناب نواهيه . وقال فضيلته في خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام :" لقد أتم الله لعباده أداء الركن الخامس من أركان الإسلام بعد أن وقفوا بعرصات المناسك وقضوا تفثهم واطوفوا بالبيت العتيق فلله وحده سبحانه الفضل والمنة على التيسير والتمام كما يسره وأتمه على من قبلنا. وبين أن هذا التمام المبارك ليذكي في خلدنا طيف إتمام الله هذا الدين على نبيه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع التي نعيت إليه فيها نفسه صلى الله عليه وسلم إذ قال جل شانه ( إذا جاء نصر الله و الفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ). وقال فضيلته: إنها حجة اجتمع فيها للنبي صلى الله عليه وسلم أمران أولهما الإشارة إلى دنو أجله , الذي أوضحه النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بقوله ( أيها الناس اسمعوا قولي فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ) , والأمر الآخر هو إتمام هذا الدين وإكماله فما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقبض روحه وهو لم يبلغ رسالة ربه بتمامها لئلا يكون للناس حجة بأن الدين ناقص قال تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ), ولقد اتفق أئمة التفسير أن هذه الآية نزلت في حجة الوداع غير أن من المخجل عباد الله أن يغيب عن عقول بعض بني المسلمين حقيقة هذه الآية بقصد أو بغير قصد حتى لاكت ألسنتهم وخطت أقلامهم لوثات وشبهات جادلوا بها فلبسوا الحق بالباطل واغتر بهم من الناس أغرار وإمعون تكلموا فيما لا يعلمون وقرروا ما يشتهون زاعمين أن الإسلام لا يستطيع ملاءمة الواقع المتجدد والأحداث الحضارية المترادفة , وأن الخطاب الإسلامي ينبغي أن يتغير فهو غير صالح لكل زمان ومكان وزعموا والواقع عباد الله انه لعيب كبير وشماتة أيما شماتة أن يكون غير المسلمين أدرى بمعنى تلكم الآية ممن ولد في الإسلام وترعرع في كنفه. ودعا إمام وخطيب المسجد الحرام إلى أن تكون تلك الآية نبراساً لنا معاشر المسلمين وحجة دامغة ندفع بها مشاغبات أولئك المتهورين الذين يريدون أن يتسللوا من الدين لواذاً بحجة أن في الواقع أمورا ليس في الدين حلها وإن ما نسمعه من أصوات تفوه بمثل ذلكم أو نراه بأقلام لم ترقم بضمير الخشية من الله ما هو إلا بعض مما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون في أعقاب الزمن فهو القائل صلوات الله وسلامه عليه ( إنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ). وتابع إمام وخطيب المسجد الحرام قائلاً : ألا أن خير الهدي هديه صلوات الله وسلامه عليه وهيهات هيهات أن يأتي الخلف في أعقاب الزمن بخير مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وما كان عليه هو وأصحابه رضوان الله تعالى عليهم وأن من غربة الدين أن تلتصق به المحدثات التي تشوه جماله وتطمس معالم سننه في حين أن الدين أنما هو دعوة كمال بين تلك المحدثات فإذا ما تردد أحد بين طريقين دعاه الدين إلى خيرهما وإذا تردد بين حق وباطل دعاه الدين إلى الحق فدين الإسلام هو أصعب الطريقين وأحزم الأمرين بالنسبة لأهواء البشر لأن الانحدار مع الهوى من السهولة بمكان لا يحاكى بها الصعود إلى العلو لأن فيه الجد والاجتهاد. وأضاف أن الله جل وعلا أكمل لهذه الأمة دينها فلم يدع لها خيرا إلا دلها عليه ولا شرا إلا حذرها منه فإنه سبحانه بعلمه وحكمته قد أحاط ضروريات دين الأمة وحاجياتها وتحسينياتها بسياج منيع حتى تبقى تحت ظل وارف من الرضا بالله رباً وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا فحينئذ لا يخلص إليها ما يعكر صفوها أو يقوض بنيانها فلا تنهشها أنياب المتربصين ولا تجرحها مخالب الماكرين شريطة أن تشيع بين ذويها روح الأخاء والعدل والإنصاف والإيثار والشفقة والتواضع لله ثم لدينه وخلقه إنها بتحصيل ذلكم عباد الله تنجوا من مكر أعدائها وتجتمع كلمتها في الذود عن حياض الأمة حيث تجمعهم كلمة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله التي لا تدانيها لغة ولا عرق ولا أرض ولا لون وإنه متى شوهد بين بني الأمة إمارات الحمى والسهر لما يصيبها من لأواء ومحن وتكالب أعدائها فإن ذلكم أكبر دليل على أنها جسد واحد لم تمزقه أدواء التنافر ولا علل الأهواء . وأردف فضيلتة أن ما أصاب الأمة من وهن ووهم لم يكن بدعا من الأمر أو طفرة لم تسبق بمسبباتها وإنما هو نتيجة شرخ في سياجها المنيع وثقوب تكاثرت في حيطانها على حين غفلة من ترميمها وصيانتها فترادفت عليها حلقات الخطوب حتى أصبحت كل فتنة تحل بها تقول للأخرى أختي أختي وما أوجاع الشام إلا خير شاهد على الطغيان والجبروت والظلم والبغي والله لا يحب الظالمين ألا إن الأمة الموفقة هي تلكم التي تدرك أن حسد القريب أو الصديق قد يفوق في الخطورة عداوة العدو وأن الأضرار التي تطالها من أغرار بني جلدتها ممن ضعف وازعهم فغلبتهم شهواتهم وشبهاتهم قد تتجاوز في الأضرار ما يصنعه عدوها لأن في الحسد من دواعي المكر والتربص ما لا يكون في غيره وقد قيل كل ذي نعمة محسود. وقال فضيلة الشيخ الشريم :" إن بلاد الحرمين الشريفين حرسها الله لم تسلم من حسدة ماكرين ومتربصين شانئين يستنشقون البغض والحسد فيستنثرون القعود لها كل مرصد لما حباها الله من رعاية الحرمين الشريفين مهبط الوحي ومهاجر النبي صلى الله عليه وسلم ورعاية حجاجها ومعتمريها وزائريها فلم يصمت لاؤلئك لسان ولم يجف لهم قلم في إيذائها بالتحريش والتشويش ولكنها بحمد الله خائبة فلم تلقى رجع الصدى لذلكم وإنما يضرب في صخر صلد يوهن يد صاحب المعول فحسب فلأجل ذلكم كله نؤكد أن لدى بلاد الحرمين ضرورات لا تقبل التلاعب بها ولا التجارب عليها فمن أراد أن يفرق ما اجتمع منها أو يشوش ما استقر فيها أو أن يبدل أمنها خوفا فلا مكان له بيننا جميعا بل ستلفظه أفئدتنا وتطاله سياط ألسنتنا وأقلامنا فضلا عن أن نهايته ستكون فشلا ذريعا ثقة بالله ثم بقوة يد حازمة لا تعرف المزاح الأمني ولا الهرتقات الفكرية ولا مجازفات الفوضى الخلاقة وأن يد الله على الجماعة ومن شذ عنهم شذ إلى النار" .