جبلت البشرية على الألفة والاجتماع والتعارف، فتجد من الفطرة أن يسعد المرء لوجود أقارب له وأصدقاء ومعارف يأنس بهم ويأنسون به، وكلما اتسعت دائرة تلك الميزة كبرت أهميتها حتى نصل إلى حقيقة؛ المجتمع أقوى بتلاحمه والتفافه على كلمة سواء. ولن يكون ذلك إلا بالصفاء الذي يسود النفوس والخير الذي يعم وأن نجد من أفراد المجتمع من يظهر الحق ولو على نفسه، فتلك هي الشجاعة، وهذا ما يتميز به أبناء مجتمعنا في السابق كانوا يختلقون العذر لغائبهم، ويسامحون المخطئ ويتجاهلون الزلل فما تحمل قلوبهم أكبر وما تفكر به عقولهم أنضج من أن تؤثر به سفاسف الأمور، فكثيراً ما سمعنا من قصص العز والشهامة لأبطال كانوا يرتبطون برابطة الجيرة، أو أبناء عمومة أو حتى عشيرة تعايشت مع عشيرة على نفس الأرض وتقاسموا الماء والهواء فكانت حياتهم «حياة طيبة» بأهلها وببساطتها ولكن شيئاً فشيئا تلاشت حتى وصلنا بكل أسف إلى حال أصبحت فيه علاقات الأقارب أسوأ من علاقاتهم مع الغرباء، فتجد أقرب قريب لا يتمنى لك خيراً، ولا يفرحه لما يفرحك وساد الحسد في النفوس وتغيرت الروابط القوية حتى باتت ضعيفة يؤثر بها كلام عابر ينقله حديث نمام، أو رسالة تعرضها شاشة الهاتف أو حتى الظنون السيئة دون تثبت! ومن أشد مظاهر تنافر الأقارب تميز العيد في السابق بأن تكون هناك وليمة في بيت كبير العائلة ويجتمع الجميع عنده أما الآن فما عاد أحد متشوقاً للقاء أحد صباح العيد، أصبح النوم أفضل من عيد يجدونه مكرراً ومملاً. إضافة إلى أنه كان هناك تعاون يسود المجتمع، الجار ينقل جاره معه بالسيارة، ومن يملك هاتفاً يجعله عامًا لمن أراد استخدامه وصاحب الدكان يمهل من هم في فقر وحاجة والتاجر يشغل من يحتاج لعمل دون واسطة أو شروط والآن افتقدنا لذلك التعاون حتى شعرنا بانعدامه. ومن الأمور التي تلاشت أن المرأة في ذاك الزمن كانت ممرضة لقريبتها إذا مرضت وتجمعهن الرفقة الصالحة فكن يتشاطرن آنذاك في الخياطة والطبخ والعناية بالأطفال مخلصات لبعضهن بحب وتفانٍ. وفي السابق كان كل قريب نعمة وعز حتى إنهم كانوا يستبشرون بكثرة الأبناء تحسبا في مستقبل أكثر تلاحماً وترابطاً لكن ماذا أصبحن عليه الآن ولماذا؟ هل لأننا أصبحنا مثقفين ومتعلمين ضاعت منا علوم الأصالة والعودة للجذور؟! أجد بأن الحال يحتاج لإعادة نظر فكلنا يفرح لقرب قريبه لأننا لابد وأن نعود لفطرتنا السوية.