"سقى الله ذيك الأيام".. بهذه العبارة يُردد الأجداد حكايات عيد الماضي بتفاصيله، حيث كان الناس فيه رغم قسوة الحياة وشظف العيش كالجسد الواحد، يعيشون فرحتهم ويتقاسمون البهجة والسرور. العيد فيما مضى كان له نكهة خاصة، بل وكان أكثر بساطة مما هو عليه الآن من حيث الملبس والمأكل والمشرب، كما كان المجتمع يستشعر السعادة والفرح، وقيمة التراحم والتواصل ومراعاة الآخرين لبعضهم، فما أن يؤدي الجميع "صلاة العيد" إلاّ ويجتمع الأقارب في أحد المنازل، كما أن الأطفال يجدون فرصتهم في التنقل بين المنازل، مرددين: "عطونا عيدية"، والبنات الصغار يرددن: "أمي تناديني تبي تحنيني، في سحلة صيني، صيني على صيني"، وكل ذلك في أجواء من السعادة والمرح. امرأة مع ابنتها في زيارة معايدة لجارتها حنين الماضي وقال "أبو عايد" وعلامات الحزن على محياه: بدأت أحن إلى الماضي، وإلى العادات والتقاليد الموجودة سابقاً، مبيناً أن الفضائيات طغت على الوقت الحالي، وغيّرت ملامح الحياة بقصد التجديد، مشيراً إلى أنه يرى ذلك التجديد بلا طعم أو لون!. وأوضحت الجدة "أم خميس" أن أعياد الماضي ليست كأعيادنا الآن، حيث طغت عليها مغريات الحضارة الحديثة، مضيفةً أن هناك فارقا كبيرا بينها وبين زمن اليوم، الذي اندثرت فيه كل معالم فرحة العيد، لافتةً إلى أنهم كانوا ينتظرونه بفارغ الصبر وبلهفة الشوق التي ترتسم على وجوه الرجال والنساء والأطفال، وكذلك الشباب، فما إن كان يصلنا خبر دخول أيام العيد حتى تهب رياح الأفراح والأهازيج المرتقبة، ونتزاور فيما بيننا، ونبارك لبعضنا البعض قدومه. فرحة العيد في الحارة جمعت الصغار قبل الكبار أواصر وتواصل وذكرت "أم خميس" أن أواصر التكافل الاجتماعي والتواصل الأسري كانت قوية جداًّ، يسودها الحب والوئام والمحبة وحب الخير للجميع؛ فتجد الكل يسأل عن جيرانه وأقربائه وأصدقائه في أجواء تغمرها الألفة والوئام، عكس ما هم عليه أبناؤنا في هذا الجيل، الذين غدوا فيه كالغرباء فيما بينهم، إذ أثقلتهم ملهيات الحياة الحديثة عن بعضهم البعض، مبينةً أن الناس قديماً كانوا يُحضِّرون للمناسبة قبلها بأيام، بالتأهب وذبح الذبائح، وجلب الحلوى للأطفال، إلى جانب الاستعداد للفرح وتجهيز مكان رقص النساء والفتيات، والعرضة للرجال والشباب. وأكدت الجدة "أم علي" على أن الأهالي في العيد وبعد الصلاة يجتمعون على الفطور الذي كانت تعده ربة المنزل، ويتكون من الرز واللحم واللبن، أو خبز البر وسمن الغنم، على عكس الأكلات والأطعمة التي تقدم الآن على موائد العيد من مختلف الأصناف والأطباق الموالح والحلويات. وجبة الإفطار في إحدى سكك الحارة الضيقة غدوة و"تفافيخ"! وقالت "أم علي": إن الأهالي بعد الفطور يجتمعون في مجلس شيخ القبيلة يتبادلون معه أطراف الحديث على فناجيل القهوة والشاي والتمر، وكان بينهم الفتية الذين يأنسون لهذه المجالس، بعكس شباب اليوم الذين يفضلون السهر ليلة العيد في الأسواق والمتنزهات ويعاودون للنوم في ساعات متأخرة من الليل غير مبالين في يوم العيد، مضيفةً أنه في الماضي كان الشباب يستعدون للسباق أو اللعب أو الرقص، كل ذلك فرحةً بالعيد، موضحةً أنهم كانوا يعدون جائزة لمن يفوز منهم في اللعبة أو السباق، مبينةً أن غدوة العيد لها طعم ولون آخر وعادة ما تكون في وقت الظهيرة، إذ تجتمع النساء والأطفال والفتيات للعب والرقص ابتهاجاً، ثم توزع الحلويات والسكريات فيما بينهم، ذاكرةً أن الأطفال يوزعون "التفافيخ" للهو بها، مؤكدةً على أنه في الوقت الحالي تطورت المجتمعات، فلم نعد نرى إلاّ التقنيات الحديثة التي آنستهم عن ماضي آبائهم وأجدادهم، مشيرةً إلى أنه في الماضي كان الأهالي يمضون وقتهم حتى ساعات من الليل في سمر وفرح وسرور وأجواء خاصة بهم تغمرها روح التآخي والتآزر. شاب يُجهِّز قهوة الضيوف في العيد «إرشيف الرياض» بهجة وسعادة وأكدت السيدة "مضاوي التميمي" على أنه في الماضي كان الأطفال أشد فرحاً بأيام وليال العيد، إذ كانوا يخصصون له ألعاباً تخلف عن ألعاب هذا اليوم، التي اختطفت فرحتها وسائل التقنية الحديثة، مضيفةً أن من ألعاب الماضي "عظيم ضاح" و"العتلة" و"غميا" و"حبشة"، وكذلك "وأنا أبوكم وأبو شوشة" و"لعبة المطارح"، موضحةً أن هذه الألعاب تطلق البهجة في نفوسهم ويسعدون بها طيلة أيام وليالي العيد. وذكرت السيدة "عالية المسعود" أن الحماس ليلة العيد كان أشد من الآن؛ إذ كانت الأسرة صغاراً وكباراً يخلدون إلى النوم باكراً حتى يستيقظوا، ليصلوا العيد جماعة، مضيفةً أن الابتسامة لا تفارق أفواههم من شدة الفرح، أما الآن فقد اختلف الوضع واندثرت تلك العادات وتبدلت بعادات الإرهاق والسهر والحماس والتدافع إلى قفل الأبواب والعزلة، وكأنهم في عالم آخر. أمي تبي تحنيني واسترجعت "عالية المسعود" أيامها الماضية مع قريناتها قائلةً: كان الأطفال يجتمعون لمعايدة الرجال والنساء ليحصلوا على ريالات العيد، التي سرعان ما تصرف على "العلك" و"الصواريخ" مضيفةً أنه جرت العادة أن يعايد الأطفال أهل المنزل صباح العيد وهم يهتفون: "عطونا عيدية"، مبينةً أن للفتيات أجواء خاصة في أيام العيد. وأوضحت "أم محمد" أنه عادةً ما يبدأ الأطفال خاصةً في أول أيام العيد في الماضي بالأهازيج التي تتميز ببساطة وعفوية اللحن والكلمات؛ فقد كان الأطفال يرددونها جماعة وهم يستشعرون الفرح، عكس أطفال اليوم الذين حاصرتهم وسائل الحضارة، ذاكرةً بعض الأهازيج التي كان يرددها الصغار: "عادت عليكم صيام، كل سنة وكل عام"، وأيضاً: "عطونا عيدية"، وكذلك: "جعل الفقر ما يعود عليكم"، مشيرةً إلى أن البنات الصغار كانوا يرددن: "أمي تناديني تبي تحنيني، في سحلة صيني، صيني على صيني"، مبينةً أنهن يستمررن إلى مغرب اليوم أو عشاء اليوم وهم ما بين اللعب والمرح، وما بين ترديد العبارات العيدية فرحةً بالعيد. فجوة واسعة وقالت "خيرية بنت سالم الزبن" -أخصائية اجتماعية في جامعة حائل-: إن العيد فيما مضى له نكهة خاصة تختلف عن أعيادنا في الحاضر التي غزته معالم الحضارة الحديثة، مضيفةً أن هناك فجوة واسعة جداًّ وفارقا كبيرا بين العيد في الأمس والعيد في الحاضر، حيث كان المجتمع في السابق يتألق بتبادل الأهازيج والرقص والفرح بمشتريات العيد، أما الآن فقد كثرت الخيرات وكثر التردد للسوق والاستهلاك للحاجة أو دون حاجة، فغدت ملابس العيد ومشترياته لا يهتم فيها كثير من الأسر، إذ أنهم لا يجدون له طعماً أو لوناً عكس فرحة زمان وأيام زمان، مؤكدةً على أن العيد في الماضي كان أكثر بساطة مما هو عليه الآن من حيث الملبس والمأكل والمشرب، بل وحتى هدايا العيد، وكان المجتمع فيه يستشعرون السعادة والفرح، مشيرةً إلى أن مبادئ التراحم والتواصل ومراعاة الآخرين لبعضهم كانت عادات متعارف عليها في العيد أيام زمان، أما الآن أصبحت مظاهر الحضارة هي كل شيء، مبينةً أن تلك العادات اندثرت واختفت وحلّت محلها ظواهر مستجدة على المجتمع.