قبل البدء.. عيدكم مبارك، والكل يعرف أن إدارة حشود الملايين في مربع واحد، وفي زمن واحد، ولفترة قصيرة، أمر في غاية الصعوبة، ويختلف كثيرا عن إدارة جماهير مباريات كرة القدم على مستوى العالم، فالذين يرفعون الشعارات البالية ويصرخون وينددون بعد أحدث تدافع الحجاج في منى عليهم أن يدركوا أن أصواتهم العفنة تذهب في مهب الريح، وتضيع في صحراء مقفرة بلا سامع ولا مجيب، لأن الأمر بيد أصحابه القادرين على معالجة الخطأ إذا وجدوه، وهم وحدهم القادرون على تقييم الوضع، والتحقيق والتثبت من الوقائع ونشرها على الملأ، ويقف خلفهم شعب قوي يصطف مع وطنه وقيادته في أقسى الظروف وأصعبها، ولا تعنيهم أصوات الناعقين، ولا هرطقة المزايدين على أمن وطنهم واستقراره، فالسعودية لا تحتاج إلى من يذكرها بأهمية أمن المشاعر المقدسة في موسم الحج أو العمرة، فهي تعي ذلك جيدا وترعى هذا الأمر دينيا وسياسيا، منذ تأسيسها، ولا ينكر جهودها في خدمة الحجاج والمعتمرين إلا جاهل أو مكابر حاقد أو حاسد. ولهذا فإن توظيف حوادث مكةالمكرمة كحادث الرافعة أو أحداث حج هذا العام في المناكفات السياسية، مزايدات رخيصة تتشدق بها إيران منذ القدم، ولها آمال بلا سقف، ومطالب لن تتحقق، ولا أرى الالتفات إليها لأنها ترمي بالأمة في مستنقع عفن يجرها إلى مزيد من التفكك والتمزق والتبعثر، والمسلمون الحقيقيون الذين يخافون على دينهم، ويحافظون على وحدة هويتهم الإسلامية، يعون ذلك ويؤكدون أن الأعداء وحدهم هم المستفيدون من تشرذم المسلمين وتفرقهم. قبل الحج بأسبوعين قرأت تغريدة لأحد المنشقين عن حزب اللات قال فيها: (هناك نية لدس عناصر إفريقية وشيعية وحوثية داخل بعثات الحج هذا العام للقيام بأعمال تخريبية والتشويش على تحرير صنعاء)، هذه التغريدة ألا تستحق التأمل؟ ألا توحي بأشياء مبيتة في حادثة تدافع الحجاج في منى؟ ألا يحق لنا أن نبحث عن الأصابع الخفية التي تسعى إلى تدمير الأمة العربية؟ كما فعلت من قبل في لبنان والعراق وسوريا واليمن، وغيرها من الدول التي تضررت مما يسمى بالربيع العربي، ألا يحق لنا أن نستنتج أن ما حدث ربما يكون بفعل فاعل؟ حسنا.. لا نريد أن نستبق التحقيقات فالأيام حبلى، وستكشف لنا عن خبايا هذا الحدث المؤلم ولو بعد حين. من خلال التاريخ الموثق لأحداث الحج ووقائعه سنعرف أن الذي أدى إلى تدافع الحجاج في منى في أول أيام عيد الأضحى المبارك في موسم حج هذا العام أمر يضاف إلى ما سبق من أحداث، فهذه ليست المرة الأولى التي يستهدفون فيها موسم الحج، فحادث تدافع الحجاج في منى، لا يختلف عن حدث نفق المعيصم، ولا يبتعد عن الأحداث التي وقعت قبل ذلك كالمظاهرات والتسبب في اختناق الطرق، والتفجير في الطريق المؤدي إلى الحرم المكي، والتفجير الآخر فوق الجسر المجاور للحرم، والحرائق المفتعلة في منى، وغيرها من الأحداث التي أظهرت التحقيقات أنها تتم بتخطيط مسبق، فقد كشفت التحقيقات اعترافات المنفذين الذين أخذوا جزاءهم بعد توثيق اعترافاتهم وبثها في نشرات الأخبار في التليفزيون العربي والعالمي، لكن تلك الأعمال التخريبية لن تكون الأخيرة طالما أن المستنقع مازال باقيا يحتضن بيض البعوض، فعلماء البيئة يؤكدون أن محاربة الملاريا لا يكفيها رش المبيدات للقضاء عليه، بل يجب تجفيف المستنقعات العفنة حتى لا يتكاثر فيها مرة أخرى. نعرف أهداف المطالبات التي تنادي بتدويل الحرمين الشريفين، للإشراف على أعمال الحج والعمرة والزيارة من قبل الدول المنتسبة للإسلام، لكننا نعرف أيضا أن خدمة الحجاج وسقايتهم ووفادتهم هي ملك لأهل مكة منذ الجاهلية، وستبقى لهم وللدولة التي تحتضنهم حتى تقوم الساعة، وبالمثل حماية زوار مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام القادمين من أقاصي الأرض، ستبقى تحت حماية الدولة الحاضنة للمدينة المنورة، وكل المحاولات الإيرانية اليائسة والمكائد المدبرة في كل عام لتظهر السعودية أنها غير قادرة على إدارة الحجيج، وغير قادرة على تأمين المشاعر المقدسة أثناء أداء المناسك، وكل الأحداث التي كانت في مواسم الحج السابقة أثبتت تحقيقاتها أنها بفعل فاعل، أنتم تعرفونه جيدا، وتعرفون كيف تردون كيدهم في نحورهم بتكاتفكم، والوقوف صفا واحدا خلف أوطانكم التي تعي دورها جيدا في صد كل الافتراءات الفارسية، وأعوانهم، ومن شايعهم، وتعرفون كيف تلجمون كل أفواه الإعلام السياسي القميء الذي يسعى إلى طمس الجهود المبذولة في مكة، ويهدف إلى تفكيك وحدة التلاحم الخليجي والعربي، وكل عام وأنتم بخير.