قطعت الحكومة الكولومبية وجبهة القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) المتمردة الأربعاء مرحلة حاسمة على طريق السلام، الذي تعهدتا بإبرامه خلال ستة أشهر، بإعلانهما عن اتفاق على المصير القضائي للمقاتلين، الذين يعدون قضية أساسية في المفاوضات. وقال الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس بعد مصافحة تاريخية مع زعيم الحركة الماركسية المتمردة تيموليون خيمينيث الملقب تيموشنكو «إنها خطوة هائلة». وكان الرجلان قد عقدا قبيل ذلك لقاء كان الأول لهما وجهاً لوجه استمر نصف ساعة في حضور الرئيس الكوبي راؤول كاسترو لإعطاء دفع أخير لتسوية أكبر نزاع في أمريكا اللاتينية أوقع ما لا يقل عن 220 ألف قتيل خلال نصف قرن. وبعد الاجتماع تلا مندوبا كوباوالنرويج الدولتان الوسيطتان بياناً يعلن إبرام اتفاق حول تشكيل «محكمة خاصة للسلام» مكلفة بمقاضاة مرتكبي الجرائم خلال النزاع. كما اتفق الطرفان على وجوب إنجاز مفاوضات السلام الجارية في كوبا «خلال ستة أشهر كحد أقصى» أي بحلول 23 مارس 2016، على ما أعلن سانتوس. لكن الرئيس الكولومبي حذر من أن «المهمة لن تكون سهلة لأنه ما زالت هناك نقاط كثيرة يصعب الاتفاق عليها». ورأت النرويج أن هذا التقدم «إيجابي جداً»، لكنها أكدت أن الطريق إلى السلام سيكون «صعباً». وقال وزير الخارجية النرويجي بورغي بريندي لقناة تي في2 إن «السلام ليس مرغوباً من الجميع في كولومبيا». وكانت مسألة المقاضاة تبدو الأصعب منذ بدء مفاوضات السلام قبل حوالي ثلاث سنوات. وكانت حركة فارك ترفض أي اتفاق يقود إلى اعتقال مقاتليها، الذين يدانون بارتكاب جرائم أو بتهريب المخدرات في حين كانت الحكومة ترفض إفلات المذنبين من العقاب. وبموجب الاتفاق، ستتيح المحكمة الخاصة لكولومبيا وضع حد للإفلات من العقاب وجلاء الحقيقة والمساهمة في التعويض عن الضحايا ومقاضاة مرتكبي جرائم خطيرة بمساعدة لجنة الحقيقة، التي أنشئت في يونيو الماضي. وبموجب آلية معقدة للمقاضاة، سيواجه مرتكبو الجرائم، الذين يتعاونون عقوبات بالسجن من خمس إلى ثماني سنوات وفق أنظمة خاصة بينما سيواجه الذين يقرون بذنبهم متأخرين العقوبات ذاتها إنما وفق نظام السجن الاعتيادي. أما الآخرون فيواجهون عقوبات يمكن أن تصل إلى عشرين عاماً من السجن. ومن بين الجرائم المستهدفة «الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة وجرائم الحرب مثل احتجاز الرهائن أو أي حرمان آخر من الحرية والتعذيب والتهجير القسري والإخفاء القسري والإعدامات خارج العدالة والعنف الجنسي» وهي جرائم «لن يتم العفو عنها». في المقابل، ينص الاتفاق على إصدار عفو عن الجرائم «السياسية أو المرتبطة بها» على أن يحدد قانون عفو يصدر لاحقاً أبعاد هذا العفو. وعبر زعيم متمردي فارك واسمه الحقيقي رودريغو لوندونيو ايتشيفيري عن ارتياحه لأن هذه المحكمة الخاصة ستقام «لجميع أطراف النزاع، وليس لطرف واحد فحسب»، معتبراً أن الاتفاق يتيح «إمكانية كشف الحقيقة كاملة» حول النزاع في كولومبيا. من جهته، قال راؤول كاسترو «نحن الآن أقرب إلى إحلال السلام، الذي يتطلع إليه الشعب الكولومبي الشقيق، الذي يستحقه». ومن النقاط الأخرى المهمة في الاتفاق إلزام المتمردين بالشروع في نزع أسلحتهم في مهلة ستين يوماً بعد توقيع اتفاق السلام النهائي. وآلية التخلي عن الأسلحة بعد إبرام اتفاق السلام النهائي مدرجة على نقاط البحث في المرحلة الأخيرة من المفاوضات. ولم يسبق للرئيس الكولومبي أن حضر إلى طاولة المفاوضات في هافانا من قبل. كما أنها أول مرة منذ 14 عاماً يلتقي رئيس كولومبي زعيم حركة التمرد. وتمكن زعيم المتمردين البالغ من العمر 56 عاماً من التوجه إلى هافانا بموجب التعليق المؤقت لحوالي مائة مذكرة توقيف صدرت بحقه بتهم القتل المشدد والإرهاب والخطف والتمرد. وهو يقود حركة فارك منذ 2011. وبعد إعلان الاتفاق رحب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ب «التقدم التاريخي على طريق إبرام اتفاق سلام نهائي يضع حداً ل خمسين عاماً من النزاع المسلح». كما رحبت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني بهذا التقدم معتبرة أنه «خطوة حاسمة إلى الأمام».