ما أجمل أن تريَا أيها (الأب والأم) ذلك البرعم الذي ينبت في جنبات بيتكما، مبدعاً، متميزاً، متألقاً، كالشمسِ ترسل خيوط نورها في جو السماء، فيغمر أنفسكما سروراً واغتباطاً بما أحرزه من تقدم، أو ناله من وسامِ تفوقٍ، أو أنتجه من إبداعٍ، أو ابتكره من أشياءٍ، فتشعرا وكأنكما الأسعد على وجه الأرض، وأن لديكما اليوم طفلاً نابضاً بالإبداع كان حصاد غراسكما بالأمس. ولكي تسقيا ذلك البرعم فينمو نمواً إبداعياً، أوصيكما بالتكاتف والتعاون بالدرجة الأولى، فكونا على مستوى واحدٍ في التربية والتشجيع والتقييم والتقويم والمكافأة، فينشأ طفلكما سوياً، متزن الشخصية، متناسق الفكر، متجانس القول والفعل، يشعر بالأمان والاطمئنان النفسي في بيته ومدرسته وفي كل مكان. ولأن المجتمعات المتقدمة أدركت أن أهم أسباب التقدم هو إبداع أفرادها ونجاحهم، فبدأوا في إعداد أطفالهم ورعوهم ونموا مهاراتهم وقدراتهم منذ نعومة أظفارهم، ووفروا لهم الوسائل العديدة التي تحقق ذلك، ليكونوا قادة المستقبل، وفخر مجتمعاتهم. ولأن الطفل السليم يولد بكميات هائلة من القدرات والمهارات الطبيعية والاستجابة بسهولة لكل المستجدات من حوله، فتعد تلك المرحلة هي أكثر السنوات تأثيراً في تشكيل شخصيته وعقليته، والأساس في غرس وتنمية المهارات الإبداعية. فتأتي هنا وصيتي الثانية بألا تسوفا في إعداد طفلكما إعداداً إبداعياً، وتعتقدا اعتقاداً خاطئاً أنه حين يلتحق بالمدرسة سوف يبدأ حينها في تلقي المعرفة، بل من اللحظة التي يخرج فيها للحياة يبدأ دور كل منكما، في الرعاية والحنان، والتربية الإبداعية، والتعليم القويم، والغرس السليم، حتى يدخل المدرسة ينبوعاً يتدفق بالإبداع والتفوق كلما نهل من المعرفة شيئاَ. فقد أثبتت عدة أبحاث ودراسات أن الطفل السليم يتمكن من التحدث بلغتين بإتقان دون الخلط بينهما قبل سن الرابعة، وذلك لم يحدث مصادفة بل بالتعليم والرعاية والاهتمام القوي من الوالدين. ونحن الآن في عصر متطور وفي متناول الغالبية أن يستعينوا بكل الأدوات والأساليب التربوية الملهمة للإبداع، والقراءة والبحث عنها في كافة وسائل المعرفة، وهنا أوجز وصيتي الثالثة ببعض الأفكار. شجعوا أفكار طفلكم واحترموها مهما كانت بسيطة، وكافئوه حينما يصنع شيئاً عبقرياً أو إبداعياً، اجعلوه يتخذ بعض القرارات التي لا تؤثر في حياتكما كثيراً، فسيشعر بأنه قائد، أشركوه في حياتكما واجعلوه يعاون كلاً منكما في أعماله الخاصة، أحيطوه بجو متميز وبيئة إبداعية مليئة بالألعاب والأدوات الحسية التي تنمي التفكير الإبداعي لديه وتحفز الابتكار وتساعده في حل المشكلات وتظهر لكم الجوانب القوية من شخصيته ومهاراته التي يتقنها، وأبعدوا عنه تلك الأجهزة التي تجمد عقله وإبداعه رويداً رويداً، خصصوا له وقتاً للعب وشاركوه وتحدوه في الفوز واجعلوه يحاول أن يتحدى الفشل إذا أخفق، شجعوه على التعرف على الأطفال الجدد بكل شجاعة وإقدام، فيصبح اجتماعياً متفتح الذهن، وليس ملاصقاً لجهاز لوحي وعالم افتراضي، حفظوه القرآن الكريم والحديث وبعض أبيات الحكمة، اقرأوا معه قصة أو مجلة للأطفال ليس قبل النوم فقط ولكن خصصوا وقتأ لذلك، اجعلوه يحكي لكم قصصاً أيضاً من خياله. ذلك وأكثر يجعلكم تحصدون طفلاً مختلفاً، متميزاً، مبدعاً –بإذن الله-.