إيلان طفلٌ كرديٌّ سوريٌّ رَكِبَ البحرَ مع والديه وأخيه في زورقٍ مطاطيٍّ بحثاً عن ملجإٍ آمنٍ يبعدهم عن براميل بشَّار وصواريخه فألقتْه وأمَّه وأخاه أمواجُ البحر المتوسِّط على الشواطئ التركيَّة جُثَثاً هامدة، فظهر إيلان للعالم في القرن الواحد والعشرين طفلاً ذا ثلاث سنوات غريقاً منكبّاً على وجهه في صورةٍ مأساويَّة استثارت الإنسانيَّةَ الحقَّةَ في بقاعٍ شتَّى من الأرض. تلخِّص قصَّةُ إيلان المأساةَ السوريَّة وطناً وشعباً ثار على ظالميه ومضطهديه باحثاً عن الأمنِ والحريَّة والعدالة والمساواة، فقُتِل منهم بأسلحةٍ تقليديَّة وكيماويَّة ما تجاوز 250.000 نسمة بواسطة النِّظام السوريِّ وشبِّيحته ومناصريه من ميليشيات حزب الله اللُّبنانيِّ والميليشيات المرتزقة ممَّن جلبتهم إيرانُ من أفغانستان والعراق وجمهوريَّات وسط آسيا ومن إيران نفسها ومن حرسها الجمهوريِّ. شاركتْ تركيَّا أردوغان الإخوانيَّة في قتلهم بمن سرَّبتهم ويسَّرت دخولَهم إلى سوريا مباشرة ومن خلال الأراضي العراقيَّة قادمين من أنحاء العالم متطرِّفين إرهابيِّين مناصرين ل «داعش» سوريَّا المصطفَّة مع النظام السوريِّ جنباً إلى جنب كما اكتشفتْ ذلك المعارضةُ السوريَّة فكشفتْه للعالم، قُتِلُوا بأسلحةٍ إيرانيَّة وروسيَّة وبحمايةٍ للنظام السوريِّ صينيَّةٍ وروسيَّةٍ بفيتو مجلس الأمن وبمساندتهم سياسيّاً وعسكريّاً بمستشاريهم للتدريب وللتَّخطيط العسكريِّ، وشُرِّد منهم ما تجاوز 12 مليون نسمة داخل بلادهم نزوحاً وخارجها لجوءاً لدول الجوار ابتداءً ومنها لدولٍ أخرى، إضافة لمئات آلاف من المعتقلين والمختفين قسريّاً، وحوصرت الملايين منهم في بلادهم وجوِّعوا ولكنَّهم ما زالوا صامدين منتظرين فرجاً ربَّانيّاً. استقبلت بلادُنا منذ بدء الأزمة السوريَّة مليونين ونصف المليون نسمة، متيحةً لهم لمَّ الشمل لذويهم، يعاملون كمقيمين لا كلاجئين، أُلْحِقَ 100.000 من أبنائهم وبناتهم بمدارسنا وجامعاتنا مجاناً، ويتلقَّون رعايةً صحيَّةً واجتماعيَّةً كالمواطنين، ويعمل معظمهم في القطاع الخاص، إضافة لدعمهم ب 700 مليون دولار في مخيَّمات لجوئهم في دول جوار سوريّا كمعوناتٍ إنسانيَّة ومستشفياتٍ ميدانيَّة، وإيجارات سكنيَّة لمن هم خارج المخيَّمات، وعُومِلُوا في دول الخليج العربيَّة الأخرى مع اختلاف في أعدادهم معاملةَ بلادنا، وما وجدوه من الدول المجاورة لهم لم يتجاوز مخيَّمات بائسة استدراراً لمعونات خليجيَّة متوقَّعة، فيما لم يجدوا من الدول العربيَّة الأخرى لظروفها الأمنيَّة والاقتصاديَّة إلاَّ مشاعر التعاطف. فيما تاجرت تركيا الإخوانيَّة بقضيَّتهم لتحقيق مصالح سياسيَّة ومنافع اقتصاديَّة ومكاسب عسكريَّة، وما مناداتها بمنطقة آمنة لهم شمال بلاهم قرب حدودها الجنوبيَّة إلاَّ مساومة رخيصة وللحيلولة دون ظهور دويلة كرديَّة بتقسيم سوريّا، بل إنَّها حفزتْ عصابات مهرِّبيها في الآونة الأخيرة للمتاجرة بنقل السوريِّين بزوارقهم المطاطيَّة المهترئة إن لم تكن موَّلتهم للهجرة كخطَّة ضغطٍ منها على دول الاتِّحاد الأوروبيِّ، ولكنَّها خطَّة لم تؤتِ أهدافها الرخيصة، إذْ وجد لاجئوهم لأوروبا تعاطفاً من بعض دولها الغربيَّة وخاصَّة ألمانيا والنمسا وإسبانيا والسويد، ومن فرنساوبريطانيا المتراجعتين عن مواقفهما الأولى، التي تعكس نظراتها الديموغرافيَّة لشيخوخة شعوبها، أمَّا ما واجهوه من معاملةٍ غير إنسانيَّة في دول أوربا الشرقيَّة وخاصَّة المجر فستضطرُّ هذه الدول بضغط من دول الاتِّحاد الأوروبيِّ المتعاطفة مع السوريِّين اللاجئين والمستقبلة لهم أن تغيِّر مواقفها السلبيَّة لاحقاً، ولو أنَّ دولَ الاتِّحاد الأوربيِّ قد عالجتْ الأسباب والانعكاسات والتداعيات لا النتائج لكان ذلك أدعى لتقديرها أخلاقيّاً وفق قيمها المعلنة. فيا تركيا أردوغان الإخوانيَّة ما هكذا يُعَامَلُ السوريُّون كلاجئين ولا بدفعهم مهاجرين إلى أوروبا؟!، فكأنِّي بتركيا قد نسيتْ خمسة قرون عثمانيَّة هيمنتْ فيها على الشام ممتصَّةً خيراتها وطاقات أجداد أولئك الذين اضطرَّتهم براميل النظام السوريِّ وصواريخه إلى اللجوء لأراضيها، فهي المتسبِّبة في تأخير نهضتها حضاريّاً بمحاولات تتريك سكانها الفاشلة، فإن ضاقت أراضيها على لاجئيهم فلتوطِّنْهم في لواء الإسكندرون السوريِّ العربيِّ المغتصب من قبلها عام 1938م إلى أن يأتيَهم فرجٌ ربَّانيّ. ويَصْدِمُ النظامُ السوريُّ العالمَ بإعلامه الرخيص المتباكي على غرقى البحر المتوسِّط من السوريِّين والمستنكر مواقفَ دول أوروبا الشرقيَّة أثناء مرور الناجين منهم بها، فهل نسي النظامُ السوريُّ الطائفيُّ المجرم بحقِّ شعبه أنَّه المتسبِّبُ في ركوبهم البحر وفي لجوئهم لأوروبا؟!!، وتفاجئ روسيا العالم بتحرُّكاتها العسكريَّة المساندة للنظام بإنزال مستشاريها وعسكريِّيها وسلاحها النوعيِّ وسفنها البحريَّة تزامناً مع موجة السوريِّين الراكبين البحر بمؤامرة تركيَّة نفَّذتها عصابات الأتراك المتاجرين بالبشر، فهل تلك مرحلة لإفراغ سوريا سكَّانيّاً؟!، ومن ثمَّ جاءت تحرُّكات روسيا استعداداً لمرحلة تقسيمها، وأنَّ مواقف الدول الأوروبيَّة من اللاجئين السوريِّين ما هي إلاَّ مسرحيَّة لتكوين خريطة الشرق الأوسط الجديد. وتحرَّكتْ بريطانياوفرنسا لضرب داعش سوريا تزامناً مع موجة لجوء السوريِّين لأوروبا كفصلٍ في هذه المسرحيَّة؛ حيث مهَّدت لها أمريكا والدول الغربيَّة بعدم مبالاتها وبتقاعسها عن الوصول لحلٍّ سياسيٍّ أو عسكريٍّ ينهي النظامَ السوريَّ المجرم في حقِّ شعبه، فهل ذلك كلُّه ممَّا أفرزتْه مفاوضاتُها مع إيران في اتِّفاقها النوويِّ لمكافأتها؟!!، قراءة أحسبها ليست ببعيدة عمَّا تتحرَّك نحوه الأحداثُ والمواقفُ وتداعياتها، وأن العرب سيتباكون لاحقاً على اللاجئين السوريِّين لعقودٍ مقبلة كتباكيهم على اللاجئين الفلسطينيِّين لعقود ماضية. متخوِّفٌ من ذلك وأتمنَّى أن تكونَ قراءتي هذه خاطئةً، وأن تكونَ مواقفُ أوروبا الغربيَّة إنسانيَّة حقَّة، فلعلَّ ذلك كذلك، فأزمة السوريِّين أنتجتْ صراعات بين دول الاتِّحاد الأوربيِّ قد تؤدِّي لانهياره؟!!.