كنا نقرأ ونسمع عن جمال الضمير وروعة الإنسانية في أوروبا، وكم أزعجنا المتأمركون والمستغربون عن تدبيج صفحات الإعجاب بالرجل الأوروبي، الإنسان الإنساني الحنون الذي يعطف على الكلاب ويحرص على تربية القطط، وكنا – وربما كنت وحدي – بين مصدق ومكذب في هذه الشأن، إلا أن أطل علينا ما يُعرف ب «الربيع العربي» الذي شرد العباد وأفسد البلاد وأنزل الغوغاء بالواد بحجة إهمال الحقوق والرغبة في تحقيق العدالة الاجتماعية، والحرص على إصلاح الشأن العام، علمًا بأن عديداً منهم بلا وظائف ولا مهن، أي أنهم لم يصلحوا ذواتهم حتى يسعوا لإصلاح شؤون الآخرين. أقول: كانت الأحاديث تملأ الأسماع عن العدالة والسلام والأخلاق واحترام إنسانية الإنسان دون النظر للونه أو دينه أو عرقه، لكن تداعيات الثورة السورية كشفت المستور، وأظهرت لنا بشاعة الآخرين الذين تركوا عدداً من المطرودين يغرقون في عرض البحار، وعدداً آخر تغلق دونهم الحدود، ومنهم من وضعوا في المعتقلات مكدسين إلى أن يتم ترحيلهم لجهات أخرى، والطامة الكبرى عندما يمتنع بعض الأطباء عن معالجة المرضى؛ لأن في هذا الامتناع خيانة للضمير وحنثاً بالقسم، فبصرف النظر عن الإنسانية والضمير والأخلاق وسلسلة هائلة من القيم الإنسانية التي تساقطت من هذا الطبيب الهنغاري، كيف ستنظر المنظمات العالمية ذات الصلة بهذا الشأن في حال ثبوت هذه الحادثة لمهنة الطب في المجر، وكيف سيتعامل معه زملاؤه في قابل الأيام؟ فهل هو معتوه تسلل لمهنة الطب في المجر؟ أم لعل هذا الأمر ديدن الأطباء في هذا المجر؟ أو لعل القيم الإنسانية النبيلة التي حرص المفكرون والفلاسفة والمصلحون على مر العصور على شيوعها بين الناس تتساقط هذه الأيام؟ أم لعل الطب في المجر حالة خاصة؟ من حق الدول استقبال من تشاء، لكن عندما يتعلق الوضع بالظروف الإنسانية الحرجة التي تمر بها بعض الدول لا بد من وقفة جادة تتجاوز الموانع، فالإنسان – مهما كان دينه وجنسه ولونه – هو جوهر العالم، وعلى الخيّرين في كل دولة أن يقفوا وقفة جادة ضد كل من تسوّل له نفسه العبث أو تدمير أو مجرد الاستخفاء بجوهر هذا العالم.