ما هو المانع من استخدام الطبيب مهنته وكفاءته الطبية في عمل تجاري يدرّ عليه الربح الوفير؟ لنحاول الإجابة على هذا السؤال بتجرّد وعين إنصافٍ، وعدلٍ وواقعية. لكن أولا أبدأ بهذه الأسئلة: لماذا لا يُطلَق على المِهَن الأخرى (غير الطبية) مِهَن إنسانية؟ وكيف انحصرت المهن الإنسانية كاصطلاح اجتماعي في مهنة الطبّ وحدها؟ لماذا يتم استغلال جملة «إن الطب مهنة إنسانية» في تبرير حصار الطبيب وممارسة ضغوط «غير إنسانية» عليه عند بوادر مطالبته بحقوقه المكفولة ومعاملته بوصفه إنسانًا له متطلّبات ومشاعر واحتياجات آدمية ونفسية اجتماعية ومادية، فيتهمه بعضهم أنه جشع أو استغلالي أو كما هو دارج، «غير إنساني»؟ لماذا لا يُعدُّ المهندس الذي يحملُ أمانة تصميم المباني السكنية بحرفيّة، والمقاول الذي يجب أن يبنيها بمهنيّة دقيقة، والعامل المسؤول عن سفلتة ورصف الطرق بإتقان، والمعلّم الذي يُربي الأجيال، والمحامي الذي يترافع عن المظلومين، لماذا لا يُطلق على أعمالهم «مِهَن إنسانية»؟! ألا يعمل مراقب الأمانة، ورجل الأمن والمرور، وقائد الطائرة التجارية في «مِهَنٍ إنسانية»؟. حسنًا، لنعد إلى التساؤل الأول: لماذا لا يمكن للطبيب أن يستخدم مهنة الطب التي لا يُتقن سواها بعد سنوات طويلة من الكدّ والجهد، للتكسّب وسد حاجاته المادية، مادام يلتزم بأنظمة عادلة تضمن حقوقه واحترام تخصصاته الدقيقة، فضلا عن حقوق المرضى دون ضرر ولا ضرار؟! هل من الإنسانية أن يظلّ الطبيب مُدافعًا عن نفسه طوال عمره ضد نظرات الشكّ وكلام التشكيك والإساءة حول «إنسانيته»، لمجرد اختياره مهنة يخدم بها بني البشر، ويضمن بها لنفسه ومن يعول معيشةً محترمة بعد تضحياته بوقته وصحّته وحتى ماله طوال سنوات عِجاف؟!. وهنا تظهر أسئلة أخرى: هل يضمن لجوء الطبيب إلى التكسّب عن طريق تجارة العقار أو الأراضي وغيرها، بقاءه في حدود الإنسانية؟! وهل يخرج الطبيب الذي اختار المناصب الإدارية والتخلّي عن ممارسة مهنته ومعاينة المرضى، ومن ثمّ مضاعفة راتبه ببدلات ومميزات إدارية، هل يخرج من نطاق الإنسانية أم أنه بعد ذلك ما يزال يُمارس «مهنة إنسانية»؟!. لماذا يُطالِب بعضهم بحصار الأطباء السعوديين ومنعهم من مزاولة مهنتهم خارج وقت دوامهم الحكومي، تبَعًا لمتطلّبات السوق التي تخضع للعرض والطلب، مادام ذلك تحت منظومة إدارية حقوقية تضمن ممارسةً نزيهة وتبادل المنافع، دون ضرر ولا ضرار؟. هل تدخل عوامل الغيرة المهْنية، والتردّي السلوكي، وضبابية القوانين، ومزاجية بعض المسؤولين وتسلّطهم، وضعف الرقابة، وإهمال بعض الأطباء لواجباتهم، ضمن أسباب وضع الأطباء «تحت المِجهر» دون مُبرّر وجيه؟. وفي النهاية، أترك إجابات كلّ تلك التساؤلات المطروحة لضمائركم وعقولكم، بشيء من التجرّد، والموضوعية، والحكمة، و»الإنسانية».. وشكرًا. [email protected]