لوحظ في الآونة الأخيرة كثرة الأطفال العاملين في المملكة، المنتشرين في الشوارع والمحلات، بحثاً عن ربح يساندون به أباءهم، فلا يتجاوز عمر الطفل الثماني أو العشر سنوات، إلا أنه يقف ويبيع بكل نشاط وإلمام عفوي بمهارات التسويق والتعامل مع الزبائن، وما أن يتحدث حتى تجد بنبرته طفلا حرمه الفقر والجهل من أن يحيا طفولته المنزوعة، ورجولته المبكرة التي خالفت طبيعته الطفولية، أمام ظروف الفقر التي أجبرته على تقمص دور ليس بدوره. يبيع المرطبات والتقت «الشرق» عدداً من هؤلاء الأطفال، منهم حسين مسلم الذي يبلغ من العمرعشرة أعوام، وينتمي لأسرة يبلغ عدد أفرادها سبعة عشر طفلاً وطفلة، ويقف في الحر أمام أبواب أحد المحلات بعربته الصغيرة لبيع الشكولاتة والمرطبات على المارة، حيث عبَّر عن معاناته وقد بدا الخجل والتعب على وجهه الصغير، مبيناً أنه مضطر للعمل وبيع العصائر والشكولاتة على الناس، لمساعدة والده الذي بالكاد يوفِّر لهم لقمة العيش، ويقول: « أضطر أيام الدراسة إلى بذل جهد مضاعف كي أوفق بين دراستي التي أحبها كثيراً، وبين عملي، فأنا أنجح دائماً بتقدير جيد جداً، ومتفوق بشهادة الجميع، فبوسعي الحصول على الامتياز لولا الظروف التي تمنعني من التركيز في المذاكرة»، مشيرا إلى أنه ليس الطفل الوحيد العامل بالأسرة، فجميع أخوته يعملون في مواقع مختلفة ليأتي والدهم في نهاية اليوم ويجمع ماحصدوه من مبالغ، حيث يعمل هو الآخر طوال النهار ليتقاضى في نهاية الشهر ألفي ريال، لا تكفي لسد حاجة أفراد الأسرة، فلا يجد طريقة غير إجبار أطفاله على العمل المبكر، فدفع حسين وأخوته ثمن فقر وجهل والدهم المتزوج من ثلاث زوجات دون نظر للعواقب. يبيع الفاكهة ويقف الطفل هيثم علي الناجح بالصف الأول إعدادي، وسط السوق لبيع الفاكهة، مشيراً إلى أنه يعمل ليساعد أخاه الكبير الذي اضطر هو الآخر لترك الدراسة والعمل مبكراً لمساعدة أسرته، حيث عمل والدهما مزارعاً بالأجرة، و لم يعد قادراً على العمل والإجهاد لتقدم سنه، وضعف صحته، فلم يجد الابن حيال ذلك غير التكفل بأسرته، مؤكداً أنه يضطر إلى بذل مجهود مضاعف للتوفيق بين المذاكرة والعمل، الأمر الذي يصيبه بالملل والإعياء. ويعمل الطفل محمد صالح في النجارة، مبيناً أنه يساعد أباه الذي يعمل نجاراً بهدف تعليمه المهنة وتنشئته عليها لتكون سلاحاً في يده، رغم أنه لا يزال بالابتدائي، حيث يقوم والد الطفل بمضاعفة المهام التي يكلفه بها لسد احتياجات الأسرة. ويذكر أهل الطفل حيدر حسن الذي يدرس بالصف الخامس الابتدائي، وجهة نظرهم في تشغيل الطفل وبيعه لأقراص ألعاب البلاستيشن، حيث بيَّن أخوه الذي يكبره سناً أنه دفعه للعمل والبيع متعمداً، ليمنعه من اللعب الذي يراه مضيعه للوقت، فالوقت بالنسبة له يعني المال، وهذا هو الدرس الذي يسعى جاهداً لتلقينه لحيدر الذي لم يبدو مقتنعا قطعيا به، لولا ظروف الغلاء التي جعلته يشعر بالمسؤولية. المهانة من الزبائن ويشرح الطفل بائع البليلة «رفض ذكر اسمه» معناته وتعرضه للمهانة من قبل بعض الزبائن، فيسمعونه ألفاظا جارحة، و يتعمدون إهانته، مشيراً إلى أن ما زاد ألمه حين قال له أحدهم» أمثالكم متبلدون ولا يعرفون الكرامة، فتقبلون الضرب لأجل ريال واحد»، مبينا أنه لم يقبل التسول على نفسه، بل وقف يبيع ليتحصل على رزقه من كده وعرقه. جانب إجتماعي وأوضحت أخصائية الإرشاد النفسي والاجتماعي فتحية صالح، أن سيكولوجية نمو الفرد الصحية تعتمد على مروره بكافة مراحلة العمرية، مشيرة إلى أهمية مرحلة الطفولة، حيث تتكون شخصية الفرد في هذه المرحلة، وحرمانه من حيثياتها يسبب له اضطرابات سلوكية قد تظهر مبكراً أو متأخراً، منها حالات النكوص بأنواعها، منوهة إلى أن تحديد النسل وفق الظروف المادية للأب مهم جداً، مستدركة أن الإسلام حثنا على الإنجاب ولكنه في المقابل حثنا على الرفق بأطفالنا وتوفير الحياة الكريمة لهم. طفل يبيع في السوق