فنّ الممكن في السياسة لا يعني التخلّي عن الشأن الإنساني، فالمكتسبات السياسية لا يمكن أن تكون بأيّ حال أغلى من الإنسان الذي يعيش على الأرض، وإذا كانت الدول العظمى قد حققت مكاسب سياسية على حساب الشعوب حقباً من الزمن، فإن المسلم والعربي يربأ بنفسه عن التغاضي على آلام ومآسي الشعوب، وأن يلقيها وراء ظهره ويصرف ناظريه عنها طمعاً في تحقيق هدف هنا أو مكسب هناك. بل على العكس، لطالما كان الظلم والبطش والغيّ محرّكاً للمسلم والعربي للانتصار لأخيه الإنسان تحت أي سلطة كانت، محققاً غاية الله في الأرض التي استخلف الناس عليها. إن ما يحدث من مجازر جماعية تجاه الشعب السوري الأبيّ الذي أراد أن يقول كلمته في وجه البطش والجور، قد تجاوز كل الأعراف الإنسانية والمواثيق الدولية، وتحوّل من حكم شرعيّ إلى سلطة قسريّة بالحديد والنار لا تفرّق بين الكبير والصغير، المسلّح والأعزل، والشيخ والطفل، وإزاء هذه الوحشية وغياب الإنسانية التي يستمرئها النظام السوري تجاه شعبه، فليس أقلّ من وقفة سياسية صادقة، ترفض أي حوار حول هذا السلوك اللاإنساني، وتشجّع أي دعم ينهي هذه المجازر المؤلمة. لقد كان حديث خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مع الرئيس الروسي ميدفيديف واضحاً ومباشراً برفض أي حوار حول ما يحدث في سوريا، مقتنعاً بأن الحوار حالياً لم يُعد يجدي، منطلقاً من إحساسه الإنساني أولاً، ومن عقيدته الإسلامية ونخوته العروبية ثانياً، ومن موقف سياسي ثابت لا رجعة فيه ثالثاً، فأي حوار ونقاش حاليّ إنّما هو لعب بأرواح ودماء الشهداء في سوريا الذين تمرّ عليهم الساعات كأنّها دهور، ويتساقط فيها القتلى كتساقط أوراق الشجر في الخريف. رسالة الملك عبدالله كانت سياسيّة بامتياز، تحذّر من أن السياسة السعودية مهما بلغت في دبلوماسيّتها واحتوائها للمواقف المتضادة فإنها أبداً لن تكون مساندة أو محاورة للغيّ والجبروت والطغيان ضد الإنسان أيّاَ كان، وفي أي بقعة من العالم. على قادة الدول التي ما زالت تتأرجح في دبلوماسيّتها تجاه ما يحدث من مآسٍ في سوريا أن تتحمّل مسؤوليتها التاريخية، وأن تقرّ بأن أي دعم للنظام السوري إنّما هو خيانة للإنسانية والأخلاق قبل أن يكون تلاعباً بأوراق سياسية.