في الأسبوع الماضي فجع المجتمع السعودي والخليجي بوفاة الأمير سعود الفيصل رحمه الله في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وجميعنا تمنى أن يكون ذلك الخبر شائعة وليس صحيحا، إنما هذا هو قدر الله سبحانه وتعالى في خلقه والدائم هو الله سبحانه وتعالى. الأمير الإنسان الديبلوماسي الفارس الذي استطاع عبر أربعة عقود أن يملأ مكانه وأن يعتمد عليه أربعة من ملوك المملكة العربية السعودية بدءا من الملك خالد رحمه الله وحتى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- منذ أن بدأ عمله في السياسة الخارجية منذ عام 1394 للهجرة الموافق 1975م وحتى ترجله من عمله حسب طلبه قبل وفاته بعدة أشهر. الأمير سعود الفيصل رحمه الله موسوعة في الفكر السياسي الخارجي والداخلي وسوف أتجاوز بعضا من مزاياه وخصائصه السياسية التي تميز بها لأن هناك كثيرين كتبوا في ذلك وخاصة من هم كانوا قريبين منه، الأمير سعود الفيصل والجميع يدرك ذلك أنه كان يعمل على مدار أربعة وعشرين ساعة ولا يخلد للراحة إلا قليلاً، وبالفعل استمر يمارس عمله السياسي برغم مرضه الذي كان يعاني منه في أسفل الظهر ولم يمنعه ذلك من خدمة دينه ومليكه ووطنه. كنا بحاجة إلى سيرة الأمير سعود أن يكتبها بنفسه والمواقف التي مرت عليه سواء كانت مواقف سياسية صعبة أو مواقف لها من العبرة شيء كثير، لأن الإنسان إذا كتب مذكراته بنفسه يكون شاهدا عليها ويحفظها من التزوير والتزلف، لأن تاريخ الأمير سعود مملوء بالعبر والدروس وهو بحد ذاته مدرسة في العلوم السياسية سوف يستفيد منه الأجيال من بعده كما يفعل الساسة الغربيون في كتابتهم لمذكراتهم بعد تركهم العمل السياسي مع تجاوز بعضهم إلى المصلحة المادية أكثر من مصلحة الاستفادة للآخرين، وأتمنى ألا يكون الأمير الراحل رحل ومعه تاريخه دون أن يدونه أو يسجله. الأمير سعود رحمه الله تجاوز في شهرته من وجهة نظري ساسة عالميين كانت لهم شهرتهم عبر التاريخ الحديث أمثال «بلفور» وزير خارجية بريطانيا وصاحب الوعد المشؤوم، كذلك تجاوز شهرته أيضا وزيري بريطانيا وفرنسا «سايس وبيكو» اللذين قسما الشرق الإسلامي «مصر والشام» على بلديهما، فهؤلاء يذكرهم التاريخ في مواقف سيئة أما الأمير سعود -رحمه الله- فيذكره التاريخ من خلال إنجازاته وديبلوماسيته التي امتدت إلى أربعة عقود عاصر مئات الرؤساء العالميين من مختلف الدول، وكان له دور كبير في بناء سياسة المملكة الخارجية وعلاقاتها مع معظم الدول. ختاما نتمنى إذا كانت هناك مذكرات للأمير سعود الفيصل أن تخرج للجميع وأجزم أن مؤسسة الملك فيصل للأبحاث لديها شيء كثير عن الأمير الراحل الذي سوف يفرح من خلالها كافة الأجيال المقبلة التي تنتظر مثل هذه المذكرات، ولعلها تصنف على عدة أوجه فالمذكرات الشخصية مثلا تكون في مجلد وحدها والمذكرات الديبلوماسية في مجلدات مستقلة أيضا وحدها، وإذا أمكن يكون هناك تعليقات من بعض كبار الساسة الذين عاصروا فترته العملية على تلك المذكرات فسوف يضيفون لها بعدا سياسيا وفكريا جميلا. ومن منطلق المسؤولية التاريخية أقول إن الحقبة الزمنية التي عاصرها الراحل على مستوى الوطن والأمة والعالم تفرض أن نرى هذه المذكرات لتضع النقاط على الحروف وقد نرى في حالة عدم نشر هذه المذكرات سيكون هناك فراغ كبير في التاريخ الوطني والسياسي بل العربي، وهنا كل الخوف أن يبادر أصحاب المصالح والمتربصين بالوطن بأن يملأوا هذا الفراغ بتاريخ كاذب وبوجهة مصطنعة لتشوية دور المملكة وتاريخها؟ رحم الله الأمير الراحل وأسكنه فسيح جناته نظير ما قدمه لدينه ووطنه، فهو كما قيل عنه «وزير برتبة ملك».