تفكيري وتفكيرك، وما يشغل ذهني من الأمور الشاغلة للذهن عكس ما يشغل ذهنك أيضاً! بل اتجاهي بالأشياء المحببة وغير المحببة واتجاهك بها أيضاً مختلف تماماً وإلا لما سمينا بشراً، فالاختلاف سُنة من سنن الحياة وإنا بها لمقرون.. ومن رحم هذا الاختلاف وُلدت لدينا وجهات نظر تساعدنا على التقدم والتطور ولا تضمن لنا ألا نتراجع، بل إذا استخدمنا وجهات النظر ومفهومها ومفهومنا بالشكل الخاطئ تجاهها سوف ترمينا في آخر الركب وآخر التطور وآخر المنتمين لزحف الهرب من القاع.. على سبيل المثال.. تطورت المدن والبلدان التي كانت تشكو من الفقر وقلة الموارد وصعوبة العيش فيها إلى مضرب مثل يُحتذى به. وإن قمنا بالتفتيش عن ماهية السبب الذي جعلها ترتقي فترتقي سنرى أموراً كثيرة منها عزيمة، وإصرار، ومثابرة، وتأهب كافة كوادر المدينة والبلد للرقي والتقدم قدماً، وفي ظل التفتيش والنبش القائم سترى في الأخير القاعدة التي بُني عليها كل شيء وهي «وجهة النظر» هي التي حركت العواطف وقاومت الحواجز والعثرات وتحدت الصعاب إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه. مركز تقدم ونقطة تأخر على حسب قائلها في الجهة الأخرى أيضاً من مفاهيمنا الخاطئة في وجهات النظر. إننا نسلم أنفسنا بما حملت على ما قلنا، بمعنى أن رأينا فقط هو الصحيح وألا أحد يناقضك على عدم صحته، وهذا خطأ.. فمن أسس الحوار ووجهات النظر أن ما أراه لا تراه وما تراه لا أراه، فهذا يعني أن الصحيح عندي بالإمكان أن يكون خطأ لديك والصحيح عندك بالإمكان أن يكون خطأ لدي، بل هذا إثبات صريح بأن للهدف الذي نريد أن نصل إليه عدة أوجه تبينت لدى كل أحد منا، وأننا بمجرد أن نركبها تركيبة صحيحة سينبذ هذا الخلاف القائم، ومن هذا الكلام أتدرج إلى أن من طبيعة الحوار ألا تكون فظاً غليظاً متجاهلاً ما يقال لك ومتحمساً لما تطرحه وعبوساً وصارخاً ومتعادياً ومتكابراً وإلى آخره.. قال تعالى (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك). لا تبحث عن الفرح بهزيمة رأي شخص وطموحك الفخر بانتصارك عليه وعدم قدرة أحد على مجاراتك، فكلٌّ يعلم أن هذا مطمع صغيري العقول..وجهة النظر، ثِق تماماً أنها مصدر قيم مهما كان قائلها يكفي أنها تحتمل الصدق وعدمه أيضاً، فبإمكانك تمييز الفائدة وعدمها أيضاً، عندما أتكلم عن وجهة النظر أقصد بها كلام العقلاء ونقاشهم، فليس كل كلام يسمى وجهة نظر. ارتقِ بوجهة نظرك.