تعلو أصوات، وتوشوش أنفاس، تتغير مفاهيم، وتتراجع حقائق، فالأمن لمَنْ سكن في المنطقة الرمادية، واتخذ من الوسطية والاعتدال راحةً لنفسه، ولحياته، وطبع على محياه الانحياد، ومشاهدة ما يحدث، ولمَنْ ستكون الغلبة؟ في أي لحظة، ودون أن تشعر، من الممكن أن توسم بالداعشي، إن هفوت بأي شيء دون تدقيق منك، فإطلاق صفة «الدعشنة» كثرت بشكل ملحوظ، ولا أقصد بذلك مَنْ التحق بالتنظيم – لا بارك الله فيهم، ولا وفقهم- إنما أقصد «الفكر الداعشي» من تشدد، وتطرّف في تشويه للإسلام والمسلمين. وأخشى ما أخشاه أن يصل مَنْ يوصف بالتشدد إلى التوجس من قيامه بالأركان والواجبات، ويصبح منعوتاً بسببها في يوم من الأيام بالمتطرف الداعشي!. نحن الآن في زمن يختلف عما كان، أو ما هو متوقع أن يكون، فإن كنت ممّن يستخدمون الأقنعة، ويبرعون في ذلك، فمن السهل جداً أن ينتزعوها منك، وتظهر على حقيقتك علانية، فلماذا التحزب فيما تراه أنه يجب أن يُعمّم، أو يُخصّص؟! لماذا تعيش وفق ما أحلَّه الله لك، وتحرِّمه على غيرك؟! أنت السبب إذاً في تشدد بعضهم، وتطرفهم، وتمكين العادات المخالفة ليبقوا على رجعيتهم، ونقاشاتهم العقيمة، فتسبقنا الأمم و»تضحك علينا»!. «داعش» الداعية إلى الخلافة الإسلامية أتت ك «حلم تمناه الناس»، فلبوا النداء حتى غرقوا في واقع هذا التنظيم، ونحن الآن نشكِّك في العقول، ونضحك على واقع مَنْ يتمسك بورقة، يخبئها في جيبه لصك بيته في الجنة، التي سلَّمها الحوثي لأفراده ممّن يسمّون أنفسهم مجاهدين!، فيا ترى مَنْ هو الذي يضحك على شبابنا، وفتياتنا، ممّن صدقوا في جهادهم للظفر بالجنة ونعيمها، وبأنهم يطبِّقون الرسالة المحمدية، وأنهم جنود الإسلام وناشروه! وحلم آخر الزمان وناصروه؟! النداءات الوسطية المنتشرة الآن كان من المفترض أن تظهر منذ زمن بعيد، فالتوعية، والتنوير، مسؤولية مهمة جداً لإحداث التغيير السليم، وزرع الإسلام الحقيقي، والسلام الداخلي، والمجتمعي، عوضاً عن التعايش وفق العادات، التي هضمت حق بعضهم، حتى أصبح في كل بيت شخص داعشي الفكر، نابذ للحياة، قاتل للتعايش، عقل ينتظر التأجير وفق معتقداته التي يتصوَّر أنها الحقيقة المنتظرة.