عبر تاريخ الحضارة الإنسانية كان، ومازال التكافل، والترابط بين أفراد المجتمع على اختلاف شرائحهم أحد أهم عوامل الاستقرار، والازدهار، وتغذِّي هذا الترابط حزمة من القيم والأخلاقيات، التي تحفز أفراد المجتمع على العمل لسد جوانب الحاجة، والنقص في بنيته. وتأتي قيمة التطوع لكونه إحدى أبرز تلك القيم، حيث أسهم العمل التطوعي في الارتقاء بمجتمعات بأسرها اقتصادياً واجتماعياً، فضلاً عن إكسابها قيمة أدبية، وسمعة حسنة. وفي عصرنا الحالي، تطورت النظرة للتطوع، لتصبح أكثر شمولية، وأوسع أفقاً، وتحوّل التطوع على مستوى التطبيق من نشاط فردي إلى عمل مؤسساتي، تحكمه الأنظمة والقوانين، ويخضع لأسس الحوكمة الرشيدة، تشترك في تنفيذه المنظمات غير الحكومية، ومؤسسات الدولة، والقطاع الخاص. ولقد أثبت هذا التحول جدواه من حيث استقرار البرامج التطوعية، واستمرارها بفضل وجود الغطاء الرسمي من الجهات الحكومية، وتوفر الدعم المادي من القطاعات المساندة مثل: القطاع الخاص، والجهات المانحة. وعلى الصعيد المحلي، تأسست في مختلف مناطق المملكة عديد من الجمعيات الخيرية، والجهات التطوعية، وكان القاسم المشترك بين كل تلك الجمعيات على اختلاف أنشطتها، كماً ونوعاً، اعتمادها المستمر بشكل أو بآخر على العمل التطوعي في تنفيذ برامجها عبر مشاركة متطوعين من أفراد المجتمع. وأصبح لزاماً على كل مؤسسة خيرية إيجاد إطار تنظيمي، يحتوي الراغبين في التطوع من مختلف الفئات العمرية، والتخصصات، ويوجه طاقاتهم بما يخدم احتياجات المؤسسة للقيام بدورها في خدمة المجتمع. وفي هذا الإطار أطلقت جمعية الرحمة الطبية الخيرية في المنطقة الشرقية برامجها الرائدة لاستقطاب المتطوعين، فبرنامج جمعية الرحمة التطوعي «30×30» يتيح للراغبين في التطوع قضاء 30 ساعة تطوعية في 30 فرصة تطوعية مختلفة: طبية، وإدارية، وفنية، ويتم فيه اعتماد نظام لاحتساب ساعات العمل التطوعي بوصفه معياراً لحجم النشاط التطوعي، الذي يقوم به كل متطوع، فيحصل المتطوع الذي يكمل ما يعادل 30 ساعة تطوعية في واحد، أو أكثر من برامج الجمعية، على شهادة معتمدة بذلك. وتهدف الجمعية من خلال هذا البرنامج إلى تحفيز الراغبين في التطوع على الإقبال للمشاركة في برامجها الموجهة للمجتمع، مع تحقيق الاستفادة القصوى من طاقاتهم من خلال توفير فرص تطوعية متعددة، تتناسب مع مؤهلاتهم، وإمكاناتهم، وميولهم على اختلافها، وتنوعها. وأتاحت الجمعية للراغبين في التطوع إمكانية التعرف أكثر على هذا البرنامج من خلال موقعها على الشبكة العنكبوتية (www.rahmah.org) حيث يمكنهم من خلال الموقع الحصول على نسخة إلكترونية من الدليل التعريفي، الذي يتضمن الأنشطة التطوعية المتاحة، وطريقة احتساب الساعات التطوعية لكل منها، كما يمكن للراغبين الانضمام إلى البرنامج عبر التسجيل في موقع الجمعية. كما أطلقت الجمعية مؤخراً برنامج «يُسر» التطوعي، الذي يُعنى باستقطاب المتطوعين من العاملين في مجال التأهيل الطبي، والنفسي لذوي الاحتياجات الخاصة، ومشاركتهم في برامج التأهيل الموجهة لهذه الفئة من أفراد المجتمع، كما يسعى برنامج «يُسر» إلى تدريب أهالي ذوي الاحتياجات الخاصة على رعايتهم، والتعامل مع حالاتهم، بما يكفل لهم التمتع بحياة صحية سليمة، ويجنِّبهم، بمشيئة الله، المخاطر اليومية الناتجة عن إعاقاتهم.