تتميز مناطق المملكة بعديد من الخصائص الاجتماعية والعادات والتقاليد المختلفة الممارسة خلال شهر رمضان المبارك، استناداً لاتساع رقعة البلاد، وتنوعها الثقافي والجغرافي والتاريخي، نتج عنه تنوع تراثي غني وعادات وتقاليد مختلفة، تبرز خلال مناسبات العام، كشهر رمضان المبارك، وعيد الفطر، وعيد الأضحى، وغيرها من المناسبات الاجتماعية الأخرى. ويبرز لدى مجتمع منطقة نجران التفاف الأسر حول مائدة إفطار رمضانية كبيرة في منازل الآباء، وتبقى هذه العادة مستمرة طوال أيام شهر رمضان المبارك، بحيث يجتمع على وجبة الإفطار الأبناء وأولادهم، وقد تضم بعض موائد الإفطار ثلاثة أجيال، أو أربعة على سفرة واحدة. وتتوسع الطقوس العائلية عند بعض أهالي منطقة نجران، خصوصاً أولئك الذين مازالوا يعيشون في المزارع، على ضفاف وادي نجران، فتضم وجبة الإفطار الرمضاني الأجداد والآباء والأعمام، والأخوال أحياناً، وغالباً ما يكون اللقاء في المسجد الذي يتوسط البيوت، أو في فناء المنازل أمام النخيل وعرائش العنب فيما يسميه أهالي نجران «الحوش»، أو «الحوي». وقال سالم علي آل زمانان ل «واس»، إن أهالي نجران في هذا الشهر المبارك ما زالوا يمارسون ذات العادات والتقاليد العائلية التي عاشوها أطفالاً مع أجدادهم، مؤكداً أنه وإخوته المتزوجين وأولادهم يجتمعون على مائدة وجبة الإفطار في بيت أبيه المتوفى -رحمه الله- ويتشاركون الإفطار مع والدتهم وأخواتهم، مشيراً إلى التنسيق الدائم مع شباب الحي، ليأتي كل بيت بقسم معين من الطعام، ويتناولون التمر والقهوة بعد الأذان، وبعد صلاة المغرب، يفطرون جميعاً مع جميع أقاربهم شيوخاً وشباباً وأطفالاً. أما علي بن محمد الغباري، فذكر أنه ووالده وإخوته، إضافة إلى أعمامه وأبنائهم يفطرون بشكل يومي في منزل جده؛ حيث يجتمع على وجبة الإفطار أكثر من 16 شخصاً، وتضم سفرتهم أربعة أجيال، بدءاً من الجد، فالأبناء، فالأولاد الذين أنجب بعضهم أطفالاً يجلسون بقرب جدهم الأكبر «والد الجد»، مؤكداً أن هذا الاجتماع عادة رمضانية تربت عليها الأجيال الأربعة، وسيلتزمون بها كل عام؛ لما لها من دور في المحافظة على صلوات الفروض والتهجد عند الشباب؛ لأن الصلاة جزء من الاجتماع؛ حيث ينتقلون جميعاً إلى المسجد بعد الإفطار، كما تساعدهم هذه العادات الأصيلة والمتوارثة على معرفة أحوال بعضهم، وحل مشكلاتهم، وارتباطهم الوثيق. وتتميز السفرة النجرانية في إفطار رمضان، بعديد من أصناف الأطعمة، لعل أهمها المطلقة و»الرُقْش» الذي لا يمكن أن يتخلى عنه أي منزل في نجران خلال الشهر المبارك، رغم توفر مختلف الأطعمة سواء التي يختص بها المجتمع النجراني مثل «الوفد والمرق»، أو «البر والسمن»، أو «المرضوفة»، أو تلك الأطعمة المشتركة مع غيرهم كالحلويات، والمعجنات، والمشويات، وغيرها. وأكد صالح آل سدران الذي يقضي شهر رمضان في أوروبا بسبب ظروف عمله، أنه وعائلته أخذوا معهم «المدْهَن» (عبارة عن آنية حجرية مجوفة تغطى بالخوص والجلد المزركش ويوضع فيها الرقش النجراني) وذلك لكي يكون «الرُقْش» حاضراً معهم أينما ذهبوا في شهر رمضان المبارك؛ حيث يحتل المقدمة في سفر الإفطار. وبيّن أن وجبة الرقش على الإفطار تجاوزت أهميتها الغذائية إلى أهميتها كهوية وجزء من التقاليد النجرانية، التي تحمل عبق الشهر الفضيل، وعبق نجران، وأهلها، وما تختزله الذكريات الجميلة عن شهر رمضان المبارك، وصيام الطفولة، والأكل مع الآباء والأمهات، من ذات الآنية. وتتكون وجبة «الرقش» من خبز البُر الرقيق، وتقطع أجزاء صغيرة، وتوضع في وعاء صخري مدوّر يسمى «المدهن»، ثم يصب على قطع الخبز المرق حتى يتشبع، ثم توضع فوقه قطع اللحم، والخضار المطبوخة. ويهتم أهالي منطقة نجران بأن تكون المنتجات الزراعية المحلية موجودة على سفر الإفطار، خصوصاً التمر والعنب، فمزارع نجران تنتج «خلاص نجران» الشهير بجودته العالية، كما تنتج بساتين المنطقة المنتشرة على ضفاف الوادي كميات كبيرة من العنب الأبيض والأسود، صاحب المذاق الحلو، والحبة الكبيرة، وغيرها من الأصناف.