لم تسعفني الذاكرة لتذكر كم كان عمري عندما طرقت سمعي حكاية مفادها أن علماء الولاياتالأمريكية أرسلوا لعلماء اليابان إبرة لا تُرى بالعين المجردة لإثبات قدرتهم وحد تفوقهم في العلم وتقدمهم في الاختراع، فما كان من علماء اليابان إلا أن قاموا بثقب تلك الإبرة وإعادة إرسالها للولايات الأمريكية التي وقف علماؤها موقف الحيرة والدهشة والاستغراب. أحقا كانت تلك حكاية أم خُرافة؟ فكلاهما في مقدمة الركب يقودان، وأفُكاهة كانت تلك الحادثة أم هُزالة؟ فالبلدان في نعيم العلم يرفلان، يقودان الأمم من كهوف الظلام لفسيح الأنوار، ويرفلان في نعيم المجد فلا يزاحم أقدامهما قدم. يقول زكي نجيب محمود: «لا نهضة عربية إلا بفتح المختبرات للطلاب والعمل بالتجربة والأخذ بقوة بجانب العلم التجريبي»، سئمنا التنظير وحفظ القوانين، ينهش العجزُ قلوبنا جراء أسئلة عرِّف، وضعْ علامتي الصح والخطأ. نحن قومٌ لم يخلقنا ربُنا ناقصي أذن ولا عين، نحن بشرٌ كما هم بشر، ولكن حظنا جعل طريقنا مسدودا، وسبيلنا مردوما، في غرفٍ محصنة، خاف منا أحدهم. في أبنائنا حب للاستكشاف سُحق، تنبجسُ منهم أنوارُ محبة لفتح الأصداف لا يقل وميضاً عن إشعاع الآخرين، الفارق أن أشعتنا كلما أبرقت اصطدمت بمرايا الخوف والمنع فإما أن يعود حاسرا منكسرا إلى مبعثه، أو يتسلل من خلال الشقوق لعله يجد سبيلاً كما السبيل التي سلكها أحمد زويل. في التاريخ عظات وعبر، وقف عِلم اليونان عند الوصف والمشاهدة فما أحدثوا ثورة، ثم أخضعها العرب للتجربة والتحقق فترجرجت أركان الأرض، ثم خمدوا فخمدت، ثم أكملها الغرب الحديث من داخل المختبر فتزلزت السماء قبل الأرض. أعجب من وفودِ رجال تعليمنا عندما يقومون بزيارة لليابان مثلا فيما يسمونها زيارات لتبادل الخبرات! العجب يدور في فلك أن هناك من يعلم سر النجاح ولكنه لا يشتهي! عودا إلى حكاية اليابانوالولاياتالمتحدةالأمريكية فقد سبقهما «أبو حيان التوحيدي» بألف سنة عندما ذكر في إمتاعه ومؤانسته بأن فيلسوفا نزل بمدينة فيلسوفٍ آخر فأرسل الفيلسوف المقيم إلى الزائر كأس ماءٍ ملأى يُشير إلى غزارة علمه واستغنائه عنه، فما كان من الفيلسوف الزائرِ إلا أن طرح في الكأس إبرة يُشير إلى أن علمَه سينفذ في علمِه. هي ذات الأسطورة إذن، تتناقلها الركبان وتُحورها الثقافات، والنتيجة أن هناك أمة تعمل وأخرى تستغني بالوصف والحكاية.