إن أكبر مشكلة تواجه الإنسان في هذا الوجود في تقديري هي أن حياته محدودة ومعدودة بسنوات وأيام وثوان، ولا يستطيع أن يزيد فيها لحظة واحدة، وأن متوسط الزمن الإنتاجي لا يزيد عن عشرين سنة، وذلك بعد حسم ساعات النوم وأيام الطفولة وأوقات الطعام وقضاء الحاجة وأوقات المرض وغير ذلك، ولذا وجب على الإنسان أن يستغل هذه السنوات للعمل الصالح الذي يعود عليه وعلى أهله بالخير والاستقرار، وإذا اتخذ الإنسان المقاصد الحسنة هدفا، وسلك لها طريق العلم والعمل، فإن الله يبارك له في عمره الإنتاجي، ويوفقه إلى الطاعات، ويعمر أوقاته بما ينفعه ويخدم مقصده، ولذا فعلى المسلم أن يؤمن بالله ويوحده، ليضمن النجاح في الدنيا والآخرة، وأيضا الإخلاص والعمل لله بغير رياء ولا سمعة، وألا يكون بعمله هذا مخالفا لله ورسوله، وألا ينقض إيمانه بكفر أو شرك. قد تسأل: من أين يأتيك الفرج دون مكابدة خطوات البلاء؟ وهو سؤال منطقي، لأنّ العمل شرف، فقد رعى نبينا الأغنام وعمل بالتجارة، وكان نبي الله نوح عليه السلام نجارا، وقد رعى موسى عليه السلام الأغنام، وكان إدريس خياطا، وكان نبي الله داوود حدادا. وإذا كان أعظم الناس قد مارسوا هذه المهن، فجدير بنا أن نقول للنائمين وهم ينتظرون قرار التعيين: آن لكم أن تتركوا حلم اليقظة، وخذوا بالقول المأثور (دلوني على السوق). وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يدعو، فيقول : (اللهم إني أسالك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون وأسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربني إلى حبك). وكما قال أمير الشعراء أحمد شوقي: وما نيل المطالب بالتمني ** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا. وقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) وإتقان العمل، يأتي من محبته والإخلاص فيه والقيام به على أكمل وجه، حب العمل يجب أن يكون من أجمل ما نحبه، مع أنه من أكثر ما نفتقده في أوساطنا العربية، فنحن نتفنن في الهروب منه وتضييع أوقاته.وفي الصين مثلاً وبعض الدول الأوروبية والآسيوية، يضعون جرسا لإنهاء وقت العمل، وذلك بسبب انهماك العمال في عملهم دون أن ينتبهوا إلى نهاية ساعات الدوام. وحب العمل يؤجر الإنسان عليه من الله، سواء كان طبيبا أو مهندسا أو مدرسا أو فني حدادة، أو تلميذا أو غير ذلك. فما أجمل أن نحب ما نقوم به لأننا ساعتها سنبدع ونبتكر في أعمالنا.