حيدر.. هو طفل ولدته أرحام كل النساء، وطفل القديح المذبوح ظلماً، الذي حملته في أحشائها خمس سنوات، وَهْنًا على وَهْنٍ. يدٌّ قذرة، تورطت بشعارات الحقد والظلم، فصلت حلم حيدر عن ثدي أمه عنوة، ولم تفرّقْ أحزمتها الحاقدة بين مصلٍّ مواظب على الصلاة، وآخر تارك لها، حتى أنها لم تعطِ لنفسها فرصة أن تسمع صوته وهو يقول: سبحان ربي…حتى قطعت أنفاسه، وحارت أجنحته الصغيرة في الطيران؛ فأين تطير ورحاب المسجد تلطخت بالدماء، والسقف تساقط على الرؤوس…!! بشرى التوفيق معلمته في روضة آل البيت في بلدة القديح بالقطيف تصف شخصية الشهيد حيدر جاسم المقيلي ل «الشرق» بالقول إن شخصية حيدر كان طفلا هادئا جداً، وابتسامته لا تفارق محياه، يُحب الجميع لا يرضى بالغلط مهما كان، فكان يبادر في مساعدة زملائه في حل الكراسة داخل الصف، خاصة إذا استعصى عليهم حلها، فكان بمثابة المعلم، كما أنه يكره العنف والمزاح الثقيل الذي يتطور إلى ضرب، ولا يدخل في مثل هذه الألعاب؛ لأنه كان يملك أحساس الرسام المرهف؛ فقد كان يتمنى أن يكون رساماً كبيراً، ودائماً يردد «بكون رسام زي أمي». وتضيف معلمته: من خلال خبرتي في التدريس أن الطالب والطالبة إذا شعروا أن المعلمة قريبة منهم ينادونها بلقب «أمي» وهذا ما حدث، كان ينادي ب«ماما». وتزيد: كان حيدر ينتظر يوم التخرج الذي صادف 28/7، وكنتُ أنا بدوري مطمئنة له في الحوار الذي سيلقيه؛ لروعة أسلوبه في تزيين الكلمات حتى تخرج من فمه كرائحة الزهور. وتشير إلى أن طفلها كان ينتظر حصوله على شهادة التخرج للذهاب إلى المدرسة؛ فلم يحصل هو فقط على شهادة لتميزه فقد حصلت أمه على شهادة لتواصلها الدائم واستمرار السؤال عن نتائجه؛ فآخر لقائي بحيدرٍ يوم التخرج صافحته وقبلت وجنتيه، فكان سعيداً جداً بفيديو التخرج الذي أرسلته لهم، قبل أن تحلق روحه للسماء. وعن لحظة سماعها بخبر الحادث الإرهابي في مسجد الإمام علي ببلدة القديح الجمعة الماضية تقول: لم أصدق الخبر، لأن اسمه كان مع أسماء الذين استشهدوا وانتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، سألت جميع من معي عنه، وكانت الصدمة تأكيد الخبر، وكان صوته لا يفارقني، دموعي تساقطت دون أن أشعر بذلك، حتى تواصلت رسائل كثيرة تفيد باستشهاد حيدر، اعتصرت آلامي، وصرخت مشاعري، لا تنشروا صور ابني أرجوكم، ولا تقولوا إنه « مات». وعن حالة والدته تضيف بشرى: من الصعب جداً أن أصف حالة أم حيدر، فهي أم فاقدة طفلها الأول «البكر»، مشيرة إلى أن لديه شقيقة واحدة اسمها «حوراء»، وهي في الثالثة من العمر. وتتابع: مما وصلني أن حيدر اعتاد الذهاب إلى المسجد مع أبيه، لكن أول أمس ذهب وحده لقربه جداً من منزله؛ لأنه كان شديد التعلق بالمسجد نتيجة تشجيع والده. وانتشرت أبيات شعر بعد الفاجعة على مواقع التواصل الاجتماعي، على أنها مرثية للأم المفجوعة، وتفاعل معها الأهالي وكرروا إرسالها مواساة لأهل حيدر، سرعان ما كشفت كاتبة الأبيات بأنها ليست أماً للطفل المغدور، ولا تربطها أية روابط مقربة مع حيدر، غير أنه ابن بلدتها، وفاضت مشاعرها شعراً ارتجالياً واسمها فضيلة كريكيش. كريكيش تقول ل «الشرق» إن صورة حيدر مع والده، هزتها كثيراً خاصة أن حيدر طفل محافظ على الصلاة، ولم يبلغ الحلم بعد، ووالده وعده أن يعطيه هدية مميزة لو حفظ أداء الصلاة، وواصل على مواظبتها. وتضيف: روحي تعلقت بحيدر كثيراً، دون غيره من الشهداء الذين قضوا نحبهم في الحادث الإرهابي، كونه طفلاً بريئاً، وبعد انتشار القصيدة التي تصور حال لسان أمه المفجوعة بفقد طفلها في مكان آمن كالمسجد، وتشتت أفكارها منتظرة رسولا يكذب ما أشيع عن استشهاده؛ أو أن يفتح الباب مجدداً ويودعها؛ لهذا السبب ظن البعض أن أمه من كتبت القصيدة وأرسلتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتفاعل الناس معها؛ فالأم بلا شك لن تكتب شعراً وترسل للآخرين، وهي في حالة يُرثى لها؛ فحالة الأم الموجوعة بفقد بِكرها تتردد في مخيلتي، لهذا كتبت على لسان حالها. معلمته الأخرى زهرة مهدي غزوي، تقول عن حيدر أنه طفل حنون جداً؛ فهو يحب أخته «حوراء»، ويخاف عليها كثيراً، وهو طفل ذكي جداً، وسريع البديهة، ويحفظ سريعاً؛ حفظ نشيد التخرج حفظاً جيداً، وكان لديه دور في مسرحية التخرج «شهور السنة» وكان دوره شهر رجب، فكان أفضل أداء من نصيبه. وعن علاقتها بحيدر، تواصل زهرة: لا أعرف ماذا أقول: ولكنهم يصفونني ب «الحنونة»؛ فكنت بمنزلة الأم الحانية على أطفالها فجميعهم أطفالي واحبهم جداً، ولا أحب أن يؤذي أحدهم الآخر، أحبه كثيراً فهو من الأطفال المميزين ، ولم أكن أحب أن يزعله أحد. الدموع تنهمر من عين زهرة وتخنقها العَبرة.. تسكت.. ثم تتابع حديثها: لن أنساك طفلي العزيز، ولن أنسى عناقك لي في يوم التخرج كان عناقاً حاراً، وكأنك كنت تودعني، أكان هذا وداعك لي وأنا لم أكن أعلم ..»أدميت قلبي برحيلك حيدري»، لحظة سماعي خبر استشهاده تمنيتُ أن يكون حلماً وأستيقظ منه، لم أصدق الخبر، طفلي قد جرحني فراقك، طفلي أنا لم يغمض جفني، ولم أنم منذ رحيلك، آه يا طفلي أدميت قلبي برحيلك. زهرة التي لم تجف دموعها وهي تتحدث عن حيدر، تقول إن أطفال الروضة بكوا عليه كثيراً، لدرجة أن أحد الأطفال كان مسافراً مع ذويه، قال لأمه : «دعينا نعود إلى القديح». في المقابل، تفاعلت مواقع التواصل الاجتماعي مع صور الشهيد الطفل المتنوعة، واستحوذت النصيب الأكبر في التداول والتعاطف متسائلين: بأي ذنب قتلوك !!! وعلق النشطاء على الصورة عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي: «من يقتل هذه البراءة حيوان يستحق الإعدام»، حتى يكون عبرة لمن لا يعتبر». وكتبت المغردة نورة الشهري على هاشتاق#حيدر_المقيلي .. أصغر ضحايا الجريمة: أيها الإرهابي الأعمى ماذا فعل بك ابني حيدر.. أما safa_14feb، tغردت بالقول: إلى الجنان حملوك، بأي ذنب قتلوك يا صغيري.. ساعد الله قلوب الفاقدين. ώεşάm، نزفت دمعاً على صورة حيدر، وغردت: كل الصور آلمتني ولكن هذه أبكتني. وزينة: يا أكبر جرح من جروحي يا روحي التي طلعت من روحي، أنا وأنت بموتك متنا يا ذباحي ويا مذبوحي. أما المغرد حسن آل ياسر الأسمري تسال قائلاً: بأي ذنب قتل هذا الطفل البريء #حيدر_المقيلي، ومن معه من الأبرياء، لعن الله من خطط له ونفذه. كما وضعت عدة شخصيات صورة للشهيد الطفل أيقونات لها على حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، استنكاراً للجريمة الآثمة.