حين نتعلق بصديق نرسم له صورة كائن خيالي ونحلم بالقرب منه. كلما اقتربنا من الصورة الحلم وحاولنا أن نلمسها امتلكنا الصورة وفقدنا الأصل. وبذلك يصبح الفقد ألما في روحنا. والاحتكاك المستمر اللاموزون بين الأصدقاء مجرد ترس في آلة عنف منظم يهدم العلاقات..عندما ينوح جرس الفراق تختلج الآهات في داخلنا تطالبنا البقاء، وتتصاعد الأصوات من خارجنا تطالبنا الرحيل. نحار ونختار الصمت ولا ننبس بكلمة. الفقد سيجعلنا نغضب ونحزن. سنغضب لأننا أنهكنا وأقصينا بلا ذنب ارتكبناه إلا أننا أخلصنا. ربما نترفع عن الحزن ونسامح. ثم نحاول أن نقلل ارتباطنا بكل ما يتعلق بالآخر ونصفّي داخلنا مما بقي منه ومن بقية حياة ربطتنا به. ربما نرحل ولا نعود. اختصار عقلانية الصداقة بالود والسؤال عند الشدائد تحجم روح الصحبة وتفقدنا عبق المحبة بالتسكع على جنبات مقهى والمناقشات والشكوى والضحكات. آه.. كم من الأصدقاء فقدناهم في زحمة الحياة! هل رحلوا؟ أم نحن الذين رحلنا؟ هم راحوا في الطريق ما بين سفر وعودة. هم اكتملت دورة حياتهم بدوننا. ونحن توقفت حياتنا إلى أن يعودوا. سنحزن حين نكتشف أنه لم يعد لنا مكان في حياتهم. حين يسقط الجدار الذي نعول عليه حياتنا تصبح فيلما مأساويا. مشهد النهاية هو إعلان “ضياع الحلم الرائع”. كيف سنتعايش مع هذا الحزن العقيم؟ سنبكي مشاعرنا وتنهمر دموعنا. ولكن لا شيء يوقف دورة الحياة من حولنا سنتقوى ونتناول قهوتنا بمفردنا ونذهب إلى عملنا. ويبقى السؤال عالقا على طرف ألسنتنا: كيف تكون أحلامنا مبصرة بينما واقعنا أعمى؟ مما قرأت: • قالت له: لا أريدك أن ترى الحزن في عيني ربما لا تقدره. ولا أريدك أن تسمع الأنين في قلبي فتحزن. فقط أسالك الرحيل، فما عاد في القلب مكان للجراح.