في تسعينيات القرن الماضي، وبعد أن تمدد الإسلام السياسي، وبدأ يغزو النقابات العمالية، وجدت حركة التحرر العربية، التي كان أغلبية أحزابها من اليسار، والقوميين، والبعثيين، نفسها في موقف لا تحسد عليه عندما كان مندوبوها يناقشون في أحد اجتماعاتهم شعار الاحتفال بالأول من مايو، الذي يصادف يوم العمال العالمي. فقد تفتّقت قريحة أحد الحاضرين بشعار «يا عمال العالم صلوا على النبي»، في عملية إسقاط على الواقع العربي، الذي شهد، ولايزال، حضوراً طاغياً للإسلام السياسي بمختلف تلاوينه في العالمين العربي والإسلامي. ففي الأول من مايو من كل عام – يصادف اليوم الجمعة – يُحيي العمال يومهم بمسيرات، وتظاهرات، بينما يعكف ممثلوهم على جرد المكتسبات، والإخفاقات، التي شهدتها الحركة العمالية في المرحلة السابقة، والخطوط العامة للبرامج والخطط المطلوب إنجازها في الفترة المقبلة. ويحلو للعمال في مختلف دول العالم استذكار مناسبة هذا اليوم، الذي يسجله التاريخ في شيكاغو بالولاياتالمتحدةالأمريكية، عقر دار الرأسمالية، حيث كان الصراع بين العمال، وبين أصحاب العمل على أشده لتحديد ساعات العمل، وكان العمال يرفعون حينها شعار «ثماني ساعات عمل»، الذي سمّيت باسمه الحركة العمالية، التي رفعت هذا المطلب،الذي تحقق، وحظي بحماية قانونية وانتشر في كثيرٍ من دول العالم. بدأت فكرة يوم العمال في أستراليا عام 1856م، ثم انتشرت الفكرة ليتم تحديد الأول من مايو يوماً للعمال في العالم، تماشياً مع ذكرى قضية «هايماركت»، التي وقعت عام 1886م، حيث كان العمال يُضربون في مناطق «شيكاغو، وإلينوي» وغيرهما من المدن الأمريكية، وقد شارك في الإضراب إلى جانب العمال كلٌّ من الحرفيين، والتجار، والمهاجرين، وقد فتحت الشرطة النار عليهم، فقُتل أربعة في شركة «ماكورميلك» للحصاد الزراعي، الأمر الذي أثار ردود فعل كبيرة من قِبل الناس هناك، ليتجمعوا في اليوم التالي في ساحة «هايماركت»، حتى تدخلت الشرطة، وألقى مجهول قنبلة وسط حشد الشرطة، ما أدى إلى وفاة ما لا يقل عن اثني عشر شخصاً، بعد أن تدخلت قوات مكافحة الشغب، وقُدِّم ثمانية للمحاكم، وتم إصدار حكم الإعدام على سبعة منهم، أغلبهم بسبب معتقداتهم السياسية. وقد شكّلت ذكرى القتل هذه دافعاً للتحركات العمالية في مختلف أنحاء العالم، لكنها اليوم تتم بصورة سلمية في أغلب الأحيان للاحتفاء بالإنجازات، والإجازة، التي تتخللها حفلات موسيقية، وشواء «باربكيو» على ضفاف الأنهار، وفي الساحات الجميلة في كلٍّ من أوروبا، والولاياتالمتحدة. ومع أن الولاياتالمتحدة كانت تحتفل بيوم العمال في أول يوم اثنين من كل سبتمبر، إلا أن الكونغرس الأمريكي قرر اعتماد الأول من مايو يوماً للوفاء وذلك عام 1958م. هناك، في العالم الأول، والثاني، وحيث ترسخت دولة القانون، والمؤسسات، ودشنت تشريعات للحد الأدنى للأجور، والضمان الاجتماعي، ترى أن البطالة لديهم أخف وطأة من العالم الثالث، والبلدان العربية على وجه الخصوص. ثمة تأمين ضد التعطل عن العمل، وثمة مبالغ تصرف من دافعي الضرائب على العاطلين، ومن مؤسسات المجتمع المدني، التي تبلغ موازناتها في الولاياتالمتحدة، على سبيل المثال، مئات المليارات من الدولارات، فيما تعاني المنطقة العربية من تزايد أعداد العاطلين عن العمل. وقد أوضح مدير منظمة العمل العربية أحمد لقمان، في مؤتمر للمنظمة عقد في إبريل الماضي بالكويت، أن «نسبة البطالة بين الشبان العرب حتى سن الثلاثين عاماً تتجاوز 30%»، مضيفاً « أن عدداً كبيراً من حملة الشهادات لا يتمكنون من إيجاد عمل لأن اختصاصاتهم غير مطلوبة في القطاع الخاص (..) وبسبب الاضطرابات في عديد من البلدان العربية قفز عدد العاطلين عن العمل العرب من مليونين عام 2011 إلى عشرين مليوناً في الوقت الحالي». مؤكداً أن عدد العاطلين سيزيد هذا العام، والعام المقبل، لتتجاوز نسبة البطالة في المنطقة العربية 17%، أي ثلاثة أضعاف معدل البطالة في العالم. في هذا الوقت حذر المدير العام لمنظمة العمل الدولية غي رايدر، من استمرار البطالة في البلدان العربية، باعتبار ذلك تهديداً لاستقرار، وأمن المنطقة، وشدد رايدر على أن «البلدان العربية أمام مهمة ملحّة لا مفر منها، تتمثل في التعامل مع أزمة البطالة الحادة». وتشير دراسات جدية إلى أن النمو في البلدان العربية خلال السنوات الماضية تراوح ما بين 2% إلى 3%، في حين أن المنطقة في حاجة إلى نمو حقيقي لا يقل عن 6% لمواجهة البطالة والفقر. هل تحتاج المنطقة العربية إلى رفع شعار حقيقي، يجنّبها الكوارث، والحروب، والاقتتال الداخلي، والصراع على السلطة؟ ربما الشعار الذي يحمله عنوان هذا المقال يصلح للمجتمعات العربية برمتها، وليس لعمال العالم فقط، ذلك لأن الحركة العمالية العربية ليست فقط مهمشة، ولا حول لها ولا قوة، بل هي حركة تعاني من التشويه، ومن الفسيفساء الديموغرافية، التي تحدُّ بطبعها من عملية الإبداع نظراً للاعتماد شبه الكلي على العمالة الرخيصة غير المدربة. وحين تترسخ هذه الحركة، وتتجذر في الأرض، وتحصل على حقوقها دون انتقاص، وتتبخر جيوش العاطلين عن العمل بسبب فعل التنمية المستدامة… حينها فقط يمكن الحديث عن الاستقرار الاجتماعي، والسلم الأهلي.