ربع قرن مضى على تنظيم مهرجانات الزواج الجماعي في محافظة الأحساء ولا تزال هذه المهرجانات صامدة أمام كل التحديات، وتعد المنطقة الشرقية وتحديداً محافظة القطيف سباقة في تنظيم مهرجانات الزواج الجماعي، إلا أنها توقفت عن تنظيمها بشكل يدعو للتساؤل حول احتمالية توقفها في الأحساء أيضا بعد أن أصبحت ظاهرة الزواج الجماعي جزءًا من ذاكرة المجتمع الأحسائي، تعكس شخصيته وثقافته، فقرى الأحساء تدشن كل طاقاتها وإمكاناتها البشرية لإنجاح المهرجان، حيث يعمل في المهرجان الواحد في بعض القرى أكثر من 600 رجل متطوع في اللجان المختلفة للمهرجان، وأمام هذه المخاوف برزت عديد من الأصوات التي نادت بضرورة دعم رسوم المهرجان للراغبين في المشاركة بشكل يساهم في تشجيعهم للانضمام بدلاً من الميل إلى الزواجات الفردية التي تكلفهم الشيء الكثير. للبحث عن كثير من التفاصيل فيما يخص مستقبل هذه المهرجانات في الأحساء التقينا عديداً من المسؤولين عن تنظيمها وكان الحديث في البداية لرئيس اللجنة السداسية لمهرجانات الزواج الجماعي في الأحساء عبدالله المشعل الذي علق قائلاً «إن صمود الأحساء بعد مضي قرابة ربع قرن على تجربة مهرجانات الزواج الجماعي أمر طبيعي فمن عرف طبيعة الإحسائيين المشهود لأهلها بالطيبة والتفاني في خدمة المجتمع والمحبة والتسامح يدرك تماماً أن هذا النسيج المبارك بتوفيق الله سبحانه وتعالى ومن ثم همم الخيرين المخلصين والتواصل الكبير بين أبنائه لا يعوزه الدليل الحي على استمرارية المهرجانات وتجذرها ونجاحها وبشهادة كل من زار الأحساء ورأى بعينه هذا الإنجاز الضخم والحضور الكبير، وبالتالي لا نعدم التفاؤل بالاستمرار طبقاً للمؤشرات المشار إليها وبفضل الله سبحانه وتعالى ستستمر ومن الأشياء المعززة لذلك وجود الدراسات وورش العمل واللقاءات والزيارات المتبادلة بين المهرجانات كلها عوامل تقويمية محفزة للنجاح وهو ما نسعى إليه جميعاً. وحول انعكاس توقف المهرجانات الجماعية مثلما حدث في القطيف أكد المشعل بأنها لن تتوقف وذلك بسبب التواصل الكبير بين منظومة المهرجانات في الأحساء عبر اللجنة السداسية التي حرص القائمون على مهرجانات الأحساء على إنجاحها ودعمها فلدينا الآن سبعة عشر مهرجاناً ناجحاً مزدهراً وبإدارات متفانية في عملها الدؤوب إضافة إلى التفاعل الرسمي بقيادة محافظ الأحساء صاحب السمو الأمير بدر بن محمد بن جلوي آل سعود حفظه الله الذي سهل مسيرة المهرجانات وذلل الصعاب معها لتوجيهه الكريم بمراعاة المهرجانات وسيرها طبقاً للنظم الرسمية فله ولجميع مسؤولي المحافظة الشكر والعرفان وكذلك الدعم الاجتماعي وحب الناس لديمومة المهرجانات وإقبال شريحة وافرة من المجتمع على المساهم في التنظيم». وعن دعم رسوم المهرجان للفرسان وتقليلها عليهم ومساهمة ذلك في تشجيع الانضمام للمهرجانات والابتعاد عن الزواجات الفردية قال المشعل «إن هذا صحيح وواقعي وهو ما تسعى لتحقيقه إدارات المهرجانات لأنه يصب في نفس الهدف الذي أسست المهرجانات من أجله إضافة للعدد الكبير من المتطوعين العاملين بإخلاص وتفانٍ كما أنه يؤكد الرغبة الملحة لتأسيس جمعية للزواجات الجماعية بالأحساء وهو ما دأبنا على مناشدة مسؤولي وزارة الشؤون الاجتماعية ومعالي الوزير الذي نأمل موافقته الكريمة على الترخيص لها بإذن الله وتوفيقه». وأكد مشرف مهرجان الطرف للزواج الجماعي جاسم بن محمد الموسي أن المهرجانات ستستمر لأنها ليست في نظرة القائمين عليها مشروع زواج فقط، وإنما هو كرنفال فرح لأهالي البلد كافة، وكذلك ركيزة أساسية للعمل التطوعي وتربية النشء عليه وضمان لاستمرارية مشاريع تطوعية أخرى في البلد، وسيستمر المهرجان بإدخال عنصر الشباب لإدارة منظومته مع وجود عاملاً الخبرة في المؤسسين له، ففي هذه المنظومة يجتمع عاملي الحماس والخبرة». وحول انعكاس توقف مهرجانات الجماعي مثلما حدث بالقطيف قال «لن ينعكس ذلك على محافظة الأحساء رغم بروز عديد من المؤشرات التي توحي بذلك بسبب اختلاف التركيبة السكانية التي تتميز بها قرى الأحساء عن بقية المناطق التي تتصف بقوة التلاحم والقرب الاجتماعي فيما بينها وحب العمل التطوعي». وأضاف قائلاً «مما لاشك فيه أن دعم المهرجان من جهات أخرى وتقليل رسوم الاشتراك سيساهم في تشجيع الانضمام للمهرجان، لأن أغلب المشتركين في المهرجان هم من الشباب المقبلين على الحياة وأمورهم المادية محدودة، فالعامل المادي وسيلة مهمة للجذب، وهذا العامل الاقتصادي هو أهم أهداف المهرجان». ومن جهته، قال عضو مجلس إدارة الزواج الجماعي ببلدة الجبيل مسلم بن خليفة «يسعدنا نحن كأعضاء في إدارة الزواج الجماعي ببلدة الجبيل القيام بأي عمل اجتماعي ونحن بطبعنا متفائلون دائما بنجاح مهرجان الزواج الجماعي، وعند تأسيس مهرجان الجبيل عام 1414ه وانطلاق أول كوكبة من الفرسان من شباب الجبيل كانت الفرحة تعم الجميع بعمل زواج جماعي موحد لأهل البلد، حيث تم تزويج 28 شاباً وفتاه بإدارة مُشكلّة من ذوي الخبرة في مثل هذه الأعمال أمثال الشيخ ناصر العمراني والشيخ حبيب الصعيليك، وعيسى الفردان وجواد الشايب وراضي الممتن ومحمد البطاط وعبدالجليل اليوسف وغيرهم، ثم توالت المهرجانات منذ ذلك العام بإدارات مختلفة ومتعاقبة وما زال بعضهم في الإدارة أمثال طاهر الديرم ومسلم السالم والرئيس الحالي محمد البطاط وراضي الممتن وكان عدد الفرسان في السنوات الأولى في ازدياد وبشكل ملحوظ، حيث وصل عددهم في عام 1418ه إلى 88 شاباً وفتاة وأقل عدد هو 12 في عام 1433ه ثم بدأ في التصاعد في الثلاث سنوات الأخيرة، واستطعنا بحمد الله وتوفيقه من تزويج 906 شباب وفتاة حتى الآن في مهرجان الجبيل، ونحن كأعضاء ومسؤولين في مهرجان الجبيل أخذنا فكرة الزواج الجماعي من مدينة سيهات واستفدنا من تجربتهم في ذلك وبفضل الله كان النجاح حليفنا دائماً، حيث لم يتوقف المهرجان إلا مرة واحدة فقط لعدم اكتمال عدد الفرسان لإقامة المهرجان وكان ذلك في العام 1425ه، لكن بدعم الأهالي مادياً ومعنوياً وهمة الشباب تم الاستمرار في إقامة الاحتفال كل عام». وأضاف السالم «قررنا تأجيل إقامة المهرجان من موسم الصيف إلى فصل الربيع لاعتدال الجو كما قمنا بتخفيض رسوم الاشتراك التي كانت في البداية عشرة آلاف للفرد ثم ثمانية آلاف وأخيرا خمسة آلاف وهي أقل رسوم على مستوى مهرجانات بلدات الأحساء، كما أننا نقوم برد الفائض على الفرسان بعد المهرجان في احتفال يقام لهم بوجبة غداء لتكريم العاملين والداعمين وتوزيع الهدايا على الفرسان كما أن اختيارنا فصل الربيع شجع كثيراً من الشباب على الزواج في جماعي الجبيل وسهل عليهم حجز المشاغل النسائية والاستراحات عكس فصل الصيف الحار الذي تكثر فيه مهرجانات الأحساء كما أن محافظ الأحساء الأمير بدر ومختلف الدوائر الحكومية بالمحافظة كالشرطة والدفاع المدني والمرور وشركة الكهرباء سهلوا علينا إقامة مهرجان الجبيل فلهم منا كل الشكر والتقدير». ومن جهته، قال مشرف مهرجان بلدة الشعبة خالد البريه «الزواج الجماعي يعد من أكبر المشاريع التطوعية الخيرية التي تفخر بها محافظة الأحساء التي عرفت بتعاضدها وتكاتفها وتعاونها، ورغم تعدد الصعوبات أمام هذا المشروع إلا أنه استطاع أن يبقى حدثاً كرنفالياً مهماً ينتظره الجميع ويزداد توهجاً منذ أكثر من عشرين عاماً، وذلك نتيجة عديد من العوامل التي من أهمها إيمان المجتمع بالفكرة ووعيه بأهدافها واحتضانه لها لما لمسه من آثار إيجابية اجتماعية واقتصادية ووطنية وثقافية ودينية، وقد ساهم في نجاح ذلك تعاون الجهات الرسمية وتذليلها لكثير من العقبات وكذلك حسن إدارة وتنظيم القائمين على هذا المشروع وحرصهم الدائم على التجديد والتطوير إلا أنه ومن المؤسف أن هذا البريق والوهج لمهرجانات الزواج الجماعي بدأ يخبو تدريجيا بشكل عام وملحوظ خلال السنوات القليلة الماضية وذلك نتيجة لبعض الظروف من أهمها التحولات الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع وكذلك اختلاف ثقافة الجيل الجديد وتبدل نظرته وطغيان الأنا الفردية ومن أهم الأسباب العنصر النسائي لصعوبة بل استحالة استيعابهن في قاعة واحدة ما يؤدي إلى فقدانهن الشعور بفرحة الزواج الجماعي وكذلك استغلال بعض التجار كقاعات النساء للأفراح وأماكن الزينة لهذا الموسم في رفع التكاليف نتيجة قلة العرض وزيادة الطلب». وكان سكرتير اللجنة السداسية للزواج الجماعي بالأحساء حسن الكويتي رأي آخر حيث علق قائلاً «سبب توقف هذه المهرجانات هو غياب الدعم المالي، إضافة إلى إقامة بعضها في أوقات متقاربة، وسط غياب التنسيق بينها وعدم الحصول على داعمين ماليين»، إلى جانب أهمية تغيير أنماط العلاقات الاجتماعية، والتحول، إلى عمل مؤسسي وبرامج منظمة. حيث إن المهرجانات في القطيف كانت تعتمد على هيئة السياحة والآثار كغطاء لإقامتها حيث تعرض على الداعمين مساعدتهم مادياً إلا أنهم يرفضون ذلك، بحجة أنهم مدعومون من جهاز السياحة. فيما تدعمهم السياحة معنوياً». وأضاف «من أهم أسباب عزوف الشباب عن الانضمام إلى هذه الاحتفالات النظرة الطبقية، التي ما زالت تعيشها بعض فئات المجتمع، وكذلك النظرة المغلوطة التي علقت بأذهان كثيرين، عن مفهوم الزواج الجماعي وأهدافه الحقيقية كما أن استمرارية المهرجانات تعود إلى وعي المجتمع بأهميتها، وكذلك قلة المبالغ المطلوبة من المتزوجين ويدعم ذلك وجود داعمين للمهرجانات تساعد على تغطية التكاليف للمهرجانات والتخطيط السليم في إدارتها ووجود الغطاء الرسمي الذي يعطي قوة أكبر في دعم المهرجانات ويساعد ذلك على إعفاء العرسان من سداد رسوم الاشتراك، ولاشك أن تجاوز المعوقات ورسم الخطط والنظرة المستقبلية من تحقيق الرسالة والأهداف هي الكفيلة باستمرار أي مشروع وهذا ما عملت عليه مهرجانات الأحساء ولاشك أن سر نجاح مهرجانات الأحساء هو الإدارة الفاعلة، التي تصر على المضي قدماً في تبني هذه المشاريع، وتذليل أصعب الظروف والمعوقات التي تحول دون استمراريته». وأشار الكويتي إلى أنه لم يعد بمقدور كثير من شباب الأحساء أن يجلس دون أن تكون له مشاركة في واحدة من اللجان العاملة في مهرجانات الزواج الجماعي التي بات المجتمع الأحسائي يفخر بها، والسبب في ذلك يعود إلى وصول شرائح المجتمع إلى مرحلة بات كل منهم ينظر إلى المهرجان على أنه جزءٌ منه، لذا تجده حريصاً على المشاركة فيه بل والمساهمة في إنجاحه، فتحول المهرجان من فكرة بسيطة تهدف إلى توفير المال وحسب، إلى مشروع طموح وراشد بلغ مرحلة النضج حتى أن بعضهم أشار إلى أن هذا المشروع أذاب الفوارق الاجتماعية والطبقية وأبعد الأنا».