الكتاب: بيكا عشاق المؤلف: وضحى المسجن الناشر: مسعى للنشر والتوزيع سبق أن كتبنا عن تجربة وضحى المسجن، وتجربتها ليست ببعيدة عن المتلقي المتابع للساحة الثقافية، وتُدخلنا وضحى في ديوانها الذي كدَّت واجتهدت في إبرازه منذ العتبات الأُولْ في مكابدة المغايرة التي تختفي تحت السطح، فمن البدء نشعر بذلك، حيث إن لوحة الغلاف للفنانة البحرينية نبيلة الخير جاءت بعد تمحيص، وقد اقتنصت من لوحاتها تلك اللوحة التي تشير إلى ثنائيات متضادة في اللوحة نفسها، إن الفنانة التشكيلية نبيلة الخير مغرمة بالتعبير عن المرأة في شتى حالاتها، تلك الثنائية التي تظهر متقابلة في اللونية الحارة (الأحمر) المهيمنة على الجزء السفلي من اللوحة ويكاد الأحمر أن يذهب نحو صراحة اللون، لولا تلك المشاغبة التي توحي بثنائية ما، بينما تعتلي اللوحة الألوان (الباردة) وبين البرودة والحرارة ثنائية مشتعلة، تبرز فيها المرأة واضعة يدها على صدرها، لتبرز زينتها الفاتنة على أصابعها، بينها وبين ما تحتضنه تلك الثنائية القائمة دون مواربة بين الرجل والمرأة، بين المشاعر والكلام المنثور أسفلها بين ما هو ظاهر وما هو باطن، كما تظهر المرأة مكتسحة مجال الرؤية التي تقود إليها كل الخطوط بتوزعها، ولكنها تخفي في المكان البعيد شخصاً ما يكاد لا يبين، أنه الحضور في حضن الغياب. أسطورية كامنة كذلك تشتغل تلك الثنائية بشكل عجيب منذ العنوان الذي كان بحق جاذباً ومحرضاً على التفكير بشكل واضح، فمن ثنائية العنوان يمكننا تلمس كلمتين، بينما من باطن الكلمتين يمكننا تلمس لغتين تشتغلان مع بعضهما في نسق جديد يذهب نحو الغرابة، ترى تلك دعوة من الشاعرة لنستبصر الديوان أكثر مما نقرأ فيه، (بيكيا عشاق) للحظة والتو ستصادرنا تلك الجمل التي يطلقها مناد ما داخل الأفلام المصرية التي تستخدم هذه النمطيات، لتعطي دلالات وامضة على طبيعة الحدث المؤدي إلى موقف أخلاقي ما عند المتلقي، ذلك الذي ينادي روبا بيكيا، إنها انفتاح مضمر على الأسطورة التي تشير إلى جامع المصابيح القديمة في مقابل مصابيح جديدة في قصة علاء الدين والمصباح السحري، ولكن ما يوقفنا هو ذلك التقطيع الذي يذهب نحو اللغة البرتغالية لتعطي كلمة بيكيا معنى القديم الباقي، والمتعارضة داخل ثقافتين متميزتين لهما علاقة واسعة عبر التاريخ، فالقديم، ففي ثقافتنا العربية يدل القديم على التمجيد والعراقة وغيرها من الصفات الإيجابية التي تخلق نزوعاً وحنيناً للماضي، بينما تجد القديم في الثقافة الغربية يدل على الماضي الذي غادره الحاضر بأحسن منه، وبالتالي تظل القلاع القديمة والمعابد مجرد خرائب بائدة لأناس تركوا بعض ما يمنحه الوقت لمنتجاتهم المادية والمعنوية. الذهاب في الغواية عندما تفتتح المسجن قصائد الديوان فهي تقسمه إلى قسمين، لعلهما يشيران إلى امتداد تلك الثنائية الحاكمة للديوان منذ البدء، ويطل علينا التساؤل حول وعي الشاعرة بما نهجس أم هي غواية التأويل التي تحرض عليها الكتابة الشعرية، فالقصائد الوامضة ترتكن في جزء كبير عند القسم الأول الذي يستفتح بثنائية البيع والشراء التي يستشعرها القارئ اليوم مع أن اللغة في حفرياتها تساوي بين العمليتين التي لا يمكن أن تحدث إحداهما دون الأخرى، فلا قاتل بدون قتيل، ولا بائع بدون مشتر، فكما اشترت كلاماً كثيراً صارت تبيع الكلام لتقول: «خذوا ذكرياتنا الجميلة، خذوها أشياءنا الثمينة الموغلة في الشفافية، نبيعها لكم بسعر رمزي، فمن يشتري؟!!»( )، وتبدو حالة التأسي في رومانسية داخلة في حساب الربح والخسارة، ترى هل تتربح الكلام أم تخسر البيع، إن هذا التساؤل لا يمكننا الإجابة عنه ولكنه يظل مشرعاً بوجه الكلام. كما أننا سنصطدم بادعائنا المعرفة التي تؤكد ثنائية الديوان، بينما نشير إلى أن الديوان ينقسم إلى قسمين ربما يتخيل البعض كما سبق أن أشرنا إلى أن الجزء الأول سيكرس فقط القصائد القصيرة، وعلى الرغم من أن ذلك فيه شبهة صحيحة، ولكن الثنائية المحاكة بحنكة الكتابة والذهاب وراء الغواية يؤكد أن هناك نصوصاً ليست بالقصيرة حد الومض تكسر تلك الهيمنة على الأقل في قصيدتين (أرشيف)، (عملة معدنية)، وبالتالي تؤكد تلك الثنائية الحاكمة للديوان برمته، بينما يمكننا تتبع ذلك من خلال وجود قصيدة قصيرة نسبياً ضمن الجزء الثاني من قصائد الديوان (كطفل بلا أحد). صرامة الأفق ما الذي سيجعل العبارة مشحونة بالدلالة التي تغوي بالتأويل وإعادته، هل هي تلك الإشارات المكتنزة في سياقات الكلام المرصوف بصوفية طاغية، أم بحضور المادي الذي يشير إلى معان تتعدد حسب حالات المتلقي، هل يقوم المعنى في سياق الكتابة أم يتولد في سياق القراءة، وما الذي يدعو نحو التأويل هل هو افق التوقع عند المتلقي أم انكسار ذلك الأفق بشكل فجائي أم ما يقترحه النص عليه؟ كل ذلك سيذهب ضمن سيادة التأويل الذي يقول ما لا يقال. إننا ككائنات بشرية نعتقد في الكمال، والكمال يذهب بنا إلى تصور التساوي والاستواء في الخلق، ولكن ذلك يقوم في الأيديولوجيا فقط، بينما تكشف لنا الحياة أن الكمال سعي لا يطال، وكما هي الصورة الجسدية التي تستشف منها التماثل بين اليدين كلتيهما والرجلين كذلك، وبالتالي انقسام الجسد لشقين متساويين بالضرورة المنطقية، فتطابق اليدين تطابقاً مفترضاً بين اليمنى واليسرى، ولكنها ليست ضرورة يثبتها البحث، فالتشريح يؤكد عدم التساوي في التوزيع الداخلي، وحتى الوجه فقسماه ليسا متساويين، وكذلك رجلا الإنسان وعد على ذلك، ولكننا لم نأت بهذه من أجل التحقيق العلمي ونحن ذاهبون في تأويل ما.