لأنه أخذ أكثر من شهادة دكتوراة؛ أطلق عليه بعض طلابه لقب «الدكاترة زكي مبارك» وكان هذا اللقب أثيراً عنده محبباً إليه! كيف لا وهو الذي تورّمت ذاتُهُ حتى كان لا يرى أحداً يصل إلى مكانته أو يدانيها! هذا الرجل كان شاعراً وناقداً وصحافياً لسنوات طويلة، وكانت له معارك أدبية مع رموز عصره، وقد كتب رسالته للدكتوراة في النثر الفني في القرن الرابع الهجري، وكان يقول معتزاً: ستبيدُ أركان الجامعة الأمريكية قبل أن يبيدَ كتابي هذا! ومن العجائب أن منهج زكي مبارك في نقده مرتبطٌ أحياناً بمزاجهِ، بل إن القارئ الناقد لبعض كتبه يراه (يشطح شطحات) غريبة في بعض آرائه النقدية فهو لا يعتمد في رؤيته على أرض علمية يقف عليها بثبات! ومن هذه الآراء رأيه أن الشريف الرضي أشعرُ من المتنبي لأن الدكاترة زكي مبارك كتب عنه! ولما سخرت بعض الصحف العراقية من رأيه هذا ردّ عليها: «سيرى قراء هذا الكتاب أني جعلت الشريف الرضي أفحل شاعر عرفته اللغة العربية، وقد سمع بذلك ناس فذهبوا يقولون في جرائد بغداد: أيكون الشريف أشعر من المتنبي؟! وأستطيع أن أجيب: بأن الشريف في كتابي أشعر من المتنبي في أي كتاب، ولن يكون المتنبي أشعر من الشريف إلا يوم أؤلف عنه كتاباً مثل هذا الكتاب»! ومن اعتداد هذا الرجل بنفسه أنه لم يمدح أحداً في شعره، وانظروا إلى قوله في مقدمة ديوانه «ألحان الخلود»: «واعلم أني لم أمدح في هذا الديوان أحداً من الناس، ذلك أني لا أرى تحت أديم السماء رجلاً أعظم مني»! ومع هذا كله فإن زكي كان محطة مهمة في الأدب الحديث في مصر، وكتابه «النثر الفني» من أعظم الكتب التي تناولت النثر في تلك الفترة بالدراسة، أما أسلوبه في الكتابة فقد كان رشيقاً يجمع بين حلاوة اللفظ وجمال التعبير، واستعاراته وتشبيهاته في غاية الروعة، وله في ذلك مبتكراتٌ ظريفة، وقد ذكر الشيخ علي الطنطاوي في مذكراته موقفاً صار بينه وبين زكي، وأن الطنطاوي غضب عليه لسبب ما، وأن الموقف احتدّ بينهما وأقبل الطنطاوي عليه بقذائف من الكلمات الموجعة! ثم يقول الطنطاوي بعد هذا الكلام بسطور: هذا وإن زكي مبارك صاحب أجمل أسلوب في العصر الحديث!