حذر خبيران فلسطينيان مما وصفاه بمشروع التقارب الإسرائيلي القبرصي للسيطرة على شرق البحر الأبيض المتوسط ، لانعكاساته المباشرة، حسب رؤيتهما، على الأمن القومي لتركيا والدول العربية المطلة على المتوسط، وبخاصة على المستويين العسكري والاقتصادي. وتأتي هذه التحذيرات بعد توقيع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مجموعة من الاتفاقيات خلال زيارته الأخيرة للعاصمة القبرصية نيقوسيا وُصِفَت ب “غير المسبوقة”، وشَمِلت موافقة قبرصية على استخدام الزوارق والطائرات الإسرائيلية لمياهها الإقليمية خلال عمليات الإنقاذ والطوارئ، واتفاقا على أعمال التنقيب عن الغاز والبترول في حوض البحر الأبيض المتوسط بالقرب من جزيرة قبرص، وهو ما يراه المراقبون خطوة لتحجيم الصعود التركي وتهديد مصالح الدول العربية في المنطقة وبخاصة لبنان. وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت في فلسطين د. سمير عوض ل “الشرق” إن التعاون القبرصي الإسرائيلي يتم بناءً على رؤى مشتركة أهمها العداء لتركيا والرغبة في تحقيق مصالح متبادلة. ورأى عوض أن إسرائيل تملك ما يمكن تقديمه لقبرص لقاء السماح لها باستغلال حقول النفط والغاز، وأشار إلى ما أسماه رغبة إسرائيل في أن تقدم لقبرص شكلا من أشكال الحماية باستثمار حقول الغاز، وأن تناصرها في نزاعها مع لبنان حول ملكية حقول الغاز، لافتا إلى عدم رضا حزب الله للتقارب القبرصي الإسرائيلي ويهدد دوماً بضربه. وأوضح عوض أن التعاون القبرصي الإسرائيلي كان دائما حاضرا بغض النظر عن التقدم المعلن حاليا، “حيث صفَّى الموساد الإسرائيلي الكثير من القيادات الفلسطينية في قبرص بعدما سمحت له الحكومة القبرصية بحرية العمل على أراضيها”، وفق حديثه. وأكد أن الخيارات التركية للرد على التغلغل الإسرائيلي في المتوسط من خلال التقارب مع قبرص تبدأ من تنسيق مع الدول العربية وبخاصة لبنان ومع القسم التركي في الجزيرة القبرصية، “إذ لا بد من وجود قوة إقليمية رادعة لإسرائيل، والوحيدة القادرة على ذلك هي تركيا، لذلك على لبنان العمل فورا على تحسين علاقاتها مع تركيا” حسب اعتقاده. بدوره، اعتبر الخبير في الشؤون الإسرائيلية د. عمر جعارة، في تصريحات ل “الشرق”، التعاون القبرصي الإسرائيلي جزءًا من مخطط إسرائيلي أوروبي لوقف الصعود التركي، والدليل على ذلك، حسب قوله، توثيق إسرائيل علاقاتها مع اليونان، حيث يتدرب الطيارون اليونانيون للمرة الأولى في إسرائيل، كما وثقت علاقاتها مع المنظمات الكردية، حيث قال وزير الخارجية الاسرائيلي أفيجدور ليبرمان بصريح العبارة أن بلاده تدعم المنظمات الكردية التي تناضل ضد تركيا. وتابع جعارة: “إسرائيل لديها أوراق كثيرة ضاغطة على تركيا، فهي تساهم في منع دخولها في الاتحاد الأوروبي، وتوثق علاقاتها مع قبرص واليونان، ومن أكثر الأدلة الواضحة على ذلك اعتراف إسرائيل بما يسمى مذبحة الأرمن، وهو ما يعكس الضغط الإسرائيلي على تركيا”. لكن جعارة شدد على امتلاك تركيا أدوات ضاغطة في مواجهة التقارب القبرصي الإسرائيلي للتدخل في حوض البحر الأبيض المتوسط، أقلها إغلاق مضيقي البسفور والدردنيل، باعتبارهما من أهم نقاط الملاحة البحرية في العالم، بجانب القوة البشرية التركية.