الأدب في قاموس السَّفيه يعدُّ ضعفاً، والحلم أمام استفزاز الجاهل جُبناً، ولأن الاستهتار وجنون العظمة يكفيان لحجب الحقيقة، سيظل الجهل نظارة السُّفهاء دائماً. منذ زمن وانتهاكات الحكومة الإيرانية مستمرة ضد الدول العربية، ودول الخليج، من أجل مشروعها العدواني الذي يهدف إلى الاستيلاء على دول جيرانها في سبيل توسعة رقعة «الشر والجهل» في المنطقة، التي هاجر بسبب ممارساتها العدوانية عدد لا يستهان به من أبناء الشعب الإيراني. وهذا المشروع يتشابه مع وعد بلفور في الهدف الرئيسي «الاحتلال»، فبعد أن نشرت إيران ميليشياتها الإرهابية في العراق، وسوريا، ولبنان، وفخَّخت، وفجَّرت، ونهبت، وخطفت، وذبحت، ومثَّلت بالجثث، ووضعت يدها على الجزر الإماراتية مثل أي محتل غاشم، استغلت «الخريف العربي»، الذي أزهر في دولة، أو اثنتين، وترك وراءه موسم «الخيبة العربية»، الذي تناحر فيه أبناء الدول ضد بعضهم بعضاً، بعد أن ظل أعداء السلام ينثرون بذورهم المسمومة في الدول المستهدفة منذ زمن، ليلتقطها أبناء هذه الدول مرتكبين أكبر خطأ في حق أنفسهم حين ساهموا في زرع تلك البذور الطائفية، التي نمت، وترعرعت وهي تشرب من دمائهم، وحين أورقت جففت الكراهية والإجرام أوراقها إلى أن أتت على آخر قطرة من الإنسانية، لتصبح كومة من القش، يكفيها عود ثقاب واحد ليشعل المنطقة العربية بأكملها. ومع ذلك حين فشلت مساعيها تسللت إلى المملكة من البوابة الشرقية«البحرين»، التي كانت تعيش مطمئنة عقوداً من الزمن، يتزاوج، ويتآلف فيها أبناء المذاهب المختلفة دون تحديد، قبل أن تنفجر الفتنة الطائفية، وتحوِّل البحرين الوادعة إلى ساحةٍ لحرب الشوارع، تملأ سماءها الأدخنة السوداء، وحين فشلت عاودت الكرَّة من البوابة الجنوبية «اليمن» باسم الحوثيين. ومن الطبيعي بعد كل تلك المحاولات أن تخرج المملكة عن صمتها وحلمها. أعلن السفير الأمريكي السابق فرد هوف، أن الإيرانيين صرَّحوا لهم أثناء «اجتماعاتٍ سرية» بين الطرفين بأن أمريكا، وإسرائيل لا تمثلان لهم أي قلق، أو مخاوف، ولكن الذي يمثل لهم التهديد الأول في المنطقة: «السعودية»، وليست إسرائيل، خاصة بعد أن استطاعت إنهاء الخلافات بين بعض الدول العربية. وتصريح مثل هذا لا يخرج في هذا الوقت سوى من معتدٍ مختل، والمثير للشفقة أن تُسرِّبه أمريكا قبل أن تسيطر على اختلال توازنها!. حين صمتت المملكة عن الممارسات، والانتهاكات الاستفزازية التي خرجت من خلايا متفرقة تتبع إيران، لم يكن ذلك عن ضعف بل عن حكمة، لأنها إن ضربت أوجعت، ولكن استهان بقوتها «الجهلة»، إذ لا يمكن أن تصمت دولة بحجم المملكة الآن، بعد أن خرجت عن حلمها، وينبغي ألَّا يستهان بمكانتها بوصفها مركزاً للعالم الإسلامي. في مقال سابق «القوى السابعة»، تناولت بعض الأسباب التي صنَّفت المملكة على أنها واحدة من القوى العظمى في العالم، التي أثارت مخاوف إسرائيل، وقلق أمريكا، ليس فقط لامتلاكها أقوى، وأضخم ترسانة مسلحة في الشرق الأوسط، بل لأن لديها أيضاً قوة كامنة اسمها «الشعب»، الذي يشد بعضه بعضاً «كالبنيان المرصوص» وقت الأزمات. يجمعنا في السعودية كلمة التوحيد والإيمان مهما اختلفت، وتنوعت معتقداتنا المذهبية، والفكرية. حب الوطن، والحرص على أمنه واستقراره يظلان مسؤوليتنا المشتركة، و«عاصفة الحزم» لم تكن الموقف الأول الذي أظهر فيه الشعب وفاءه وولاءه للقيادة، بل بات ذلك ميزة يتحلَّى بها أبناء وطني. واليوم حين استنفر رجالنا البواسل للذود عنا، مضحين بأرواحهم، أظهر أفراد الشعب بالمقابل أسمى معاني البذل، والإيثار كردة فعل تلقائية، تفاعل على إثرها جميع شرائح المجتمع تعبيراً عن الامتنان والتقدير. ومن هنا.. أرسل تحية شكر يملأها التقدير لوزارة التعليم، وجميع الجامعات السعودية، التي بادرت بإعفاء المشاركين في عاصفة الحزم من الرسوم. وتحية مماثلة للشهامة التي أبداها رجال الأعمال حين أعفوا أيضاً المشاركين في العاصفة من سداد الإيجار والمستحقات الأخرى. وشكراً لكل مَنْ كفل، واحتضن أبناءهم، وأسرهم أثناء غيابهم. ولنا أن نفخر كل الفخر بأن أبناء هذا الوطن «فيهم خير»، وأثبتوا بأن ما يجمعنا سيبقى أقوى من أي فتن يزرعها، أو يتصيد في عكر مائها المعتدي والحاقد. إلى أنبل الرجال: شهداؤنا «سليمان المالكي، متعب الصيعري، عبدالرحمن القحطاني، محمد الحربي» ارقدوا بسلام، جزاكم الله عنا وعن أبنائنا خيراً كثيراً، لن ننساكم من دعائنا، وسنُعلم أبناءنا بأن دماءكم الزكية، التي سالت على تراب الوطن، كانت من أجل حماية مستقبلهم من الأشرار حين كانوا صغاراً. ترابط أفراد المجتمع السعودي من نِعم الله التي لا تعد، ولا تحصى، وردة الفعل الطبيعية التي بات يجيدها، ويعبِّر بها في وقت الأزمات، لذلك «ستبقى بلادي منار الهدى». اللهم انصر قواتنا وسدِّد رميهم، وارحم شهداءنا، واحشرهم يا إلهي مع الأنبياء والصالحين.