ورد في المصادر التاريخية عدة روايات لهذه المقولة، وقد نسبت إلى عدد من الخلفاء والأمراء، ومدلولها: انتهت الأقوال، وستبدأ الأفعال. هذا ما حصل فجر الخميس الماضي بانطلاق عاصفة الحزم. لقد دأبت المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على إرساء مبادئ عامة لسياستها الخارجية، تقوم على ثوابت ومعطيات جغرافية، وتاريخية، ودينية، واقتصادية، وأمنية، وضمن أطر رئيسة أهمها حُسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى… كما اتسمت سياسة المملكة بالواقعية والبعد عن الشعارات والمزايدات، وصُبغت بصبغة أخلاقية، تتمثل في نصرة الأشقاء، وإغاثة الملهوفين، ورفض استخدام القوة والعنف، وإدانة الإرهاب، كما صُبغت بأخلاق قادتنا المتَّسمة بالصفح والعفو والتسامح والترفُّع عن الصغائر والدسائس، حيث طبَّق قادة المملكة هذه المبادئ فعلاً وقولاً، ما أكسبهم احترام دول العالم وشعوبه ومنظماته الدولية. في محيطنا العربي ازداد اختلاط الأوراق خلال السنوات الماضية، وازداد معها اختلال المفاهيم، ورفع الشعارات الجوفاء، وانطلاق العنتريات الهوجاء، وانتشار «البلطجات السياسية الرعناء». خلال تلك السنوات أُسقطت حكومات، وتغيَّرت قيادات، وتفشَّت قلاقل وفتن ونزاعات، والمملكة آمنة مستقرة – بفضل الله، ثم بوعي وحكمة قيادتها الرشيدة – ماضية في استكمال مشاريعها التنموية، وبناء قدراتها الذاتية، وتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية. بعضهم لم يعجبه ذلك، فأغرى سفهاءه بالتحرش بالمملكة. واستمرت القيادة السعودية الحكيمة في سياسة ضبط النفس، وتغليب مصالح الأمة، وعدم الالتفات إلى محاولات جرِّها إلى تلك النزاعات.. الآخرون ممَّن لا يُحسنون قراءة الأحداث، ولم يعوا التاريخ ظنوا ذلك ضعفاً. بعضٌ منهم لم يرَ في شعار المملكة سوى النخلة، ونسي السيفين. كل أولئك نسوا، أو تناسوا مواقف المملكة، وحزم قيادتها على مرِّ التاريخ، أقربها إبان غزو العراقالكويتَ، ودعم البحرين بقوات درع الجزيرة، والوقوف خلف مصر في محنتها، كما أنهم لم يفهموا مغزى تمرين «سيف عبدالله» قبل عام تقريباً. مَنْ ينسى، أو يتناسى تلك المواقف المشرِّفة والحازمة للمملكة العربية السعودية، ينطبق عليه قول الشاعر: إن يسمعوا الخير يخفوه وإن سمعوا شراً أذاعوا وإن لم يسمعوا كذبوا في محيطنا الإقليمي عادى المملكة كثيرٌ من قيادات العرب، الذين جرّوا على دولهم وشعوبهم الهزائم والنكبات، دول تملك إمكانات وثروات وموارد أكثر مما تملكه المملكة، هذه الدول ابتليت بقيادات متهورة أوردتها المهالك. تهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت فإن تولت فبالأشرار تنقاد لم تكن المملكة العربية السعودية في أي يوم دولة معتدية، وتحملت كثيراً في سبيل رأب الصدع، وتوحيد الجهود، لكن التحالف بين الإرهاب والطائفية أبى إلا أن يستمر في غيِّه. وقد أشار إلى ذلك خادم الحرمين الشريفين، حفظه الله، في كلمته أمام قمة شرم الشيخ. سلمان يا قادراً جاد الإله به وغيمة للمعالي غيثها هتن أوجع بعزمك من خانوا عروبتهم هم العدو وفيهم تولد الفتن عاصفة الحزم رسالة إلى العالم، فيها إشارات ودلالات لمَنْ ألقى السمع وهو شهيد، بدءاً من اختيار الاسم، والتوقيت، علاوة على التخطيط والجهد السياسي والاستخباراتي الكبير، الذي سبق العاصفة، التخطيط الذي أصبح ملمحاً بارزاً في «العهد السلماني». فما لقاءات الملك بقادة الدول خلال الأسابيع الماضية، واجتماعات مجلس الشؤون السياسية والأمنية المتتابعة، إلى إطلاق سراح القنصل عبدالله الخالدي، وخروج الرئيس هادي من صنعاء، وإعلان عدن عاصمة مؤقتة لليمن، إضافة إلى الزيارات واللقاءات المعلنة، وغير المعلنة، واختيار الدول المشاركة في التحالف، كذلك اختيارالسفير عادل الجبير ليعلن عن انطلاق عاصفة الحزم «من واشنطن»، والعميد أحمد عسيري، ليكون متحدثاً باسم قوات التحالف، بما يملكانه من قدرات ومهارات اتصالية، كل هذه ما هي إلا رسائل ذات مدلول. أما التأييد الذي حصلت عليه عاصفة الحزم من المجتمع الدولي فيجير لصالح السياسة السعودية. أما الممانعون فأحيلهم إلى ما قاله أستاذنا محمد الحاقان، في تعليقه على الأحداث: «التجارب يستفيد منها الشجعان. نريد مشاهدة طريق واحد شقته إيران في جنوبلبنان، نريد جداراً واحداً أقامته إيران في سوريا، نريد صورة لنخلة زرعتها إيران في جنوبالعراق. أما الخراب فهو ماثل للعيان، هدم في كل مكان وصله الوباء الصفوي، ودماء وتمزيق وتفريق». ومع كل هذه المواقف علينا أن نستذكر جهود قادة، ورجال أسسوا، وبنوا، ودافعوا عن البلاد وعلى رأسهم الملك المؤسس عبدالعزيز، وأبناؤه الملوك سعود، وفيصل، وخالد، وفهد، وعبدالله، ولن ننسى جهود إخوانهم من أبناء عبدالعزيز، وأخص في هذا المقام الأميرين الراحلين سلطان، ونايف، وكافة الرجال المخلصين، الذين أسهموا في التأسيس والبناء والدفاع عن الوطن، رحمهم الله جميعاً. وتحية عزم وولاء لملك الحزم سلمان، ولولي عهده مقرن، ولعميد الدبلوماسية السعودية سعود الفيصل، وللمحمدين ابن نايف، وابن سلمان، ولجنود الوطن، وصقوره، الذين كسبوا احترام العالم، وللشعب السعودي الوفي الأبي. أما أعداء المملكة فعليهم أن يدركوا أن الواقع على الأرض قد تغيَّر بعد 6/ 6/ 1436ه .. والجواب ما ترونه لا ما تسمعونه. وإني لآبى الشر حتى إذا أبى يجنب بيتي قلت للشر مرحبا وأركب ظهر الأمر حتى يلين لي إذا لم أجد إلا على الشر مركبا.