لست مع النظرة السلبية السوداوية تجاه حركة التأليف النشطة الحالية وما حوته من غث وسمين، بل أرى أنها تحمل في طياتها إيجابيات عدة أهمها إلقاؤها طوق نجاة لصناعة النشر التي كادت تغرق، وتفنيدها اتهام الناس بعدم القراءة بعد رؤية طوابير زوار معارض الكتب. قديما كانت الكتابة محصورة في قلة من حملة الأقلام تطبع وتقرأ لبعضها بعد انعزال نتاجها عن هموم الناس، والآن أصبح الناس يكتبون ويقرأون لبعضهم دون تعالٍ أو فذلكة، فلم تعد الكتابة بذات الرهبة ولم تعد القراءة بذات الصعوبة. إن انخفاض سقف الإبداع الذي صاحب موجة التأليف أمر طبيعي ومتوقع يحدث في أي قطاع يكثر العرض فيه. لكن علاجه لا يكون بتقريع الكتاب وتسفيه القراء، بل بالأخذ بأيديهم لتحسين مهارات الكتابة ورفع مستوى الذائقة الأدبية، وإيقاظ الحركة النقدية من غيبوبتها التي طالت. على الجانب الآخر، فإن المؤلفين والمؤلفات الشابات مطالبون في ظل غياب النقد الأدبي بتفعيل نقدهم الذاتي، والاشتغال على تطوير أدواتهم الفنية إن كانوا يسعون لأعمال أدبية راقية. يستطيع أي شخص يملك المال تسجيل «سواليفه» مع رفاقه صوتيا في يوم واحد ثم نشرها، لكن ترك أثر خالد يتطلب الإحساس بأمانة الكلمة وتوقير هيبتها والتعب من أجلها واحترام قارئها، عندها ستحترم الكلمة من يحترمها وتضعه للأبد بين النجوم.