أخبار متضاربة في كل مكان كلها مقنعة، جميعها تلتزم بطرح الحجج والأدلة في اتجاهات مختلفة، في استغلال خطير لوسائل التواصل الحديثة، والميديا، وبرامج التوك شو التي انتشرت في قنواتنا كالنار في الهشيم، وكل هذا الضجيج، والغبار، وصراع الديكة الذي ملأ زجاجاتنا التي تملأ مدارات يومنا العربي، أعادتنا إلى قصة «البيضة والدجاجة»، ومن منهما جاء في البداية، وضعتنا في مواجهة انفلات إعلامي، ومشهد حتمي في فبركة الأخبار، وحضور التحليلات السياسية، التي صار يتجرأ عليها الجميع دون استثناء، وكأنها مؤامرة على الفكر الإنساني لعملية غسيل دماغ منظم يكون ناتجها «صفر»، فلا يستطيع المراقب للوضع الراهن في العالم أجمع أن يمسك بطرف خيط واحد يدله على مبتغاه. كل الخيوط المتشابكة صنعت هذه الزعزعة في الفكر والضمير وفقدان القدرة على الوصول إلى رأي محدد «مع أو ضد»، وذلك بعد ظهور أجندات كثيرة في الإعلام، تقود نحو مصالح مجهولة، فرضت سيطرة التخبط وعدم المصداقية، التي لا تروي ظمأ المتابع ليتمكن من تحديد موقفه من هذه القفزات الخطيرة في الموقف الذي يكرره الإعلام على مسامعنا وكأنه مقررات دراسية يجب أن نحفظها للإجابة على أسئلة إجبارية في امتحان تاريخنا العربي. هذه الحالة من الانفلات وصعوبة تعقب مروجي هذه المتناقضات والمستفيدين منها، تتطلب وقفة محلية ودولية، الحالة أشد خطورة من ترويج المخدرات، لتأثيرها السلبي على الفكر، وتجنيده نحو اتجاهات يدفع ثمنها مجتمع بأسره، بعد فرضها فقدان الهوية، وعدم القدرة على تحديد الحقائق، والسير وراء المضللات. إنها مسؤولية كاملة عن جيل يظمأ للحقيقة، ليحدد أهدافه، ويخرج من ذهول المرحلة، والتخبط الذي انتشر كالمرض المعدي بين وسائل الإعلام، ووصل إلى المتلقي القارئ والمشاهد، ليصل إلى حالة زعزعة الفكر في أمة تحتاج إلى حقيقة واحدة كي تنهي اضطراباتها، وتعرف أعداءها، وتواجههم، ليظل السؤال كجرس معلق في نهاية الحكاية: هل كان لتطور وسائل الاتصالات دور في رصد هذه التفاصيل؟ وهل كان لمجهر الإعلام الجديد قوة تحليل إخبارية أدق من مراحل سابقة عجزت فيها وسائل الإعلام عن رصدها وتحليلها بمثل هذه التعددية لتستغل كنقطة حبر تعكر صفو مياهنا، وكنموذج لحرب تزيد من تشرذمنا؟