من الطبيعي أن يبدأ الإنسان يومه بما يُحب، كأن ينهض بابتسامته الكسولة التي للتو تتمطط بعد أن رحبت بها أشعة الصباح، أو بشوق النظر إلى هاتفه لرؤية من استفقده أو لأخذ نظرة سريعة على الأحداث التي جرت في وقت نومه، أو احتضان نصفه الآخر أو أبنائه أو والديه بمحبة، ليكسب هذا اليوم جمال وجودهم في حياته، ولن أستثني من يحب أن يبدأ صباحه بالعبوس أو بحدة النظر لمن يتحدث معه، فأحب أن أطمئنه إلى أنه إن لم يفعل ذلك ستُفْتَقد هذه التكشيرة التي من الممكن أن تزرع ابتسامة لمن هم حوله بسبب اعتيادهم عليها، والأهم من كل هذا وذاك هو جاهزيتك بعد خروجك من المنزل، فيجب عليك أن تكون محصناً داخلياً وخارجياً بما تحفظه من أذكار أولاً، ثم بالدروع التي تقيك من زخ الإحباطات والاتهامات وخفض المعنويات التي من الممكن أن تنهال عليك لسبب أو لآخر، خصوصاً إن كنت مُختلفاً ومُستقلاً ولست من هواة أن تجعل لنفسك مكاناً مع الناس من باب (أننا اعتدنا فيجب)، بل أنا أفكر إذاً أنا موجود. سأعود إلى الوراء قليلاً عندما أُعلن عن إنتاج وتصوير مسلسل يحكي عن ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه-، وكمية اللغط التي وردت حوله، فلن أسرد أو أتحدث عن المناظرات بين العلماء والمنتجين، بل سأوجه اهتمامي إلى الذين ينتظرون من (فلان) أن يتحدث ليقتبسوا مقولته حتى وإن قالها دون نقاش أو استفاضة في الشرح، فالمهم أنهم مؤمنون به وبحديثه، ومثلها مثل الاقتباسات التي انهالت على الشيخ أحمد الغامدي، والتي جاءت مُلغية حق الفهم والسؤال وكأن التلقين مبدأه صحيح، والاقتناع الداخلي لجميع حيثيات الموضوع هو شأنٌ ثانوي ولا أهمية له. التغييب الذهني والتبعية أنتجت أناساً ينادون بالعودة إلى الماضي وأجواء الخلافة، وأنها الحل الأمثل لهذا القرن، وأن نتخلى عن كل شيء في سبيل تحقيق ذلك، فانظروا إلى صلاتهم وانظروا إلى صلاحهم وانظروا إلى بكائهم وهم يقرأون القرآن، بل انظروا إلى موقفهم من قيادة المرأة السيارة، بربكم أهذا حقاً طموحكم!! بكينا وتألمنا من مشهد حرق ثعلب فهل حرق البشر أقل ألماً ووجعاً؟! (هم) حولنا وداخلنا وفينا، ومحاربتهم من أسهل ما يكون ب(النور)، فمبدأ التبعية والجمهور يجب أن يسلط عليه ضوء الحقيقة ويُقتلع التطرف الديني وأن نعيش الإسلام بمعناه ورسالته الحقيقية، فمن المؤلم حقاً أننا وصلنا إلى مرحلة يُساء فيها إلى من يُقدّر أمه وأخته وزوجته وكأن المرأة.. ليست كأنها!! بل إنها العورة ومن المخجل أن تظهر معها في صورة حتى وإن كانت منتقبة، أو أن تلقي التحية على أحدهم وهي معك!! التطرف أن تأمر وتنهى الآخر بغير حساب أو رقيب، سواء كان لمسلم أو كتابي أو بأي ديانة أخرى، فالأهم أن تغذي نشوة التسلط لديك وقمع الآخر حتى وإن لم يفعل ما هو خارج عن الآداب العامة، فالمحصلة هي إيجاد عداء لفئة من المفترض أن تكون هي الفئة الوحيدة التي تُحب وتقتدى لكونها تنادي بالسلام! فينا من الخير كثير وإن وُجد بيننا من يشوبه بالشر، فليس بالضرورة أن نُسافر حتى نحيا الدنيا دون تدخل أحد، ويُفعَّل الرقيب الذاتي الذي نشأ وتربى صحيحاً يعرف الخطأ والصواب، الذي لا معنى له هنا لأنك إنسان يجب أن يقودك شخص مُنزه حتى وإن كان تنزيهه حدث مؤخراً! الحياة بئيسة عندما نعيشها بالشر يعم، فمتى نبدلها بالقانون تصفو الحياة.