أوضح إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة الشيخ أسامة خياط أن رسالة الإسلام العالمية تقتضي تبليغ دين الله إلى عموم الخلق ودعوتهم إلى ما يحييهم وما تكون به سعادتهم في حياتهم الدنيا وفوزهم ونجاتهم في الدار الآخرة مشيرا إلى أن السبيل إلى أداء هذه الرسالة والقيام بهذا الحق هو سبيل الإقناع بالحجة والبرهان وصدق وقوة الاستدلال وسلامة المقدمات المقضيه إلى صحة النتائج . وأفاد فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس أن الأثر النفسي والعقلي الناتجة عن الاقتناع مختلف كل الاختلاف عن ذلك الأثر الذي ينشأ عن الإجبار فالأول يثمر كمال الرضا وتمام التسليم وغاية الإقبال على دين الله وعلى امتثال أوامره والانتهاء عن نواهيه بدافع ذاتي وميل قلبي وحب وطاعة أما الثاني وهو الإكراه والإجبار فيثمر قناعة ظاهرية لا تلامس القلب فضلا عن أن تخالط بشاشته . وأوضح فضيلته أن سبيل القرآن الكريم هو انتهاج نهج الإقناع إلى النفوس وطريقه إلى العقول والقلوب ففي مجال تنزيهه سبحانه عن أن يكون معه شريك في الملك والتطرف والعبادة بين تعالى أنه لو قدر تعدد الآلهة لكان من نتيجة هذا أن ينفرد كل إله بخلقه فلا ينتظم الوجود بل يحدث الفساد والاضطراب لأن كل إله يقصد إلى قهر الآخر وإلى مخالفته ومعارضته في تدبيره وتصريف أمور خلقه فيعلو بعض هذه الآلهة على بعض وهذا ممتنع عقلا ومحال واقعا يشهد بذلك انتظام الوجود واحتواء الكون على صورة شاهدة بوحدة الخالق وتفرده بالملك والتصرف والتكبير والعبادة . وقال إمام وخطيب المسجد الحرام : وحين أراد أهل الكتاب في عصر النبوة أن يجعلوا لأنفسهم منزلة تعلو على كافة الناس ويكون لهم بها شرف واختصاص وتفرد على غيرهم من عباد الله فزعموا أنهم أبناء الله وأحباؤه رد الله عليهم هذه المقالة وأبطل هذا الادعاء بأنهم لو كانوا كذلك لما كتب عليهم الاصطلاء بالعذاب في النار يوم القيامة بكفرهم وتكذيبهم للنبي صلى الله عليه وسلم وبالكتاب الذي أنزل عليه وبسائر معاصيهم فالمحب لا يعذب حبيبه لافتا النظر إلى أن الإقناع كما هو منهج قرآني حكيم فإنه كذلك هدي نبوي وطريق محمدي . وفي المدينةالمنورة قال فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ علي الحذيفي في خطبة الجمعة أمس إن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم قال (إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحدد حدوداً فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها) من حديث أبي ثعلبة القشري ، وإن مما فرض الله على عباده الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لما في ذلك من المصالح العامة والخاصة الدينية والدنيوية ولما في ذلك من دفع الشرور والمفاسد ودفع العقوبات والنوازل التي تنزل بسبب الذنوب ، قال الله تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) ، وقال تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله). وأوضح فضيلته أن الله تعالى أثنى على من كان عاملاً بالأمر بالمعروف ناهياً عن المنكر من أهل الكتاب الذين سبقونا ممن تمسكوا بشريعتهم التي لم تغير ولم تبدل فقال تبارك وتعالى ( ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين). والمعروف معناه كل ما أمر به الإسلام وجوباً أو استحباباً ولا يأمر القرآن والسنة إلا بما فيه الخير المحقق في الدارين ولا يأمر الله إلا بما جعله سبباً في دخول جنات النعيم وسبباً لخيري الدنيا والآخرة. والمنكر معناه كل ما نهى عنه الإسلام تحريماً أو كراهة ولا ينهى الإسلام إلا عن كل شر محقق في الدنيا والآخرة ولا ينهى إلا عن ما يكون من أسباب دخول النار ومن أسباب فساد الدنيا ، عن حذيفة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده ، لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذاباً من عنده ، ثم لتدعنه ؛ فلا يستجاب لكم) وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان). وأضاف الشيخ علي الحذيفي أن بعض أهل العلم قالوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ركن من أركان الإسلام. ولا بد لمن أمر بمعروف أن يتحقق أنه معروف أمر به الشرع وأن يتحقق أن المنكر الذي ينهى عنه نهى عنه الشرع ليكون متبعاً للدليل على بصيرة ، وينبغي أن يكون الآمر والناهي ذا حكمة بطبعه أو بالتعلم وأن يفقه ما يأمر به وينهى عنه لينزل الأدلة على مدلولاتها ويسترشد بقول الله وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور وتقلب أحوالها ، قال الله تبارك وتعالى ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين). وبين فضيلته أن التغيير باليد هو للسلطان أو نائبه ، والإنكار باللسان بالحكمة والترغيب لكل من يعلم حكم الله في المنكر ، والإنكار بالقلب لكل أحد. وكل من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقترنان معاً لا ينفك بعضهما عن بعض ، فمن أحب المعروف ولم يبغض المنكر فقد فرط في واجب وارتكب محرماً وقصر تقصيراً يؤاخذ به ، ومن أمر بمعروف ولم ينه عن منكر ترك واجباً ، ومن نهى عن منكر ولم يأمر بالمعروف فقد خالف هدي محمد صلى الله عليه وسلم. وأضاف فضيلته يقول فلابد من الحب في الله والبغض في الله وذلك أوثق عرى الإيمان ، والحب في الله هو حب ما يحبه الله تبارك وتعالى والبغض في الله هو بغض ما يبغضه الله عز وجل ، فلابد من الأمر بالمعروف ومحبته والنهي عن المنكر وبغضه وقال بعض السلف من أمر بمعروف ونهى عن منكر فليعرض نفسه على قول الله تعالى (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) وقوله تعالى عن شعيب عليه السلام ( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ). والصبر واجب على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لأنه سيتعرض للأذى بسبب أهواء الناس كما هي سنة الله تبارك وتعالى بذلك. ومضى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي يقول إن ثواب الله تبارك وتعالى للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر عاجل في الدنيا ومؤجل في الآخرة وثواب الآخرة أعظم ففي الدنيا يصلح الله للعبد المؤمن أحواله كلها ، قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ). وفتنة الرجل في أهله وفي ولده تكفرها الصلاة والصيام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وينجي الله الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر من العقوبات على الذنوب مع ما له من الثواب العظيم ، قال الله تعالى ( فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم ) وقال تبارك وتعالى (فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذي ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون). واختتم الشيخ علي الحذيفي خطبته بالقول إن الله تعالى وعد من أمر بخير وحذر من شر وعده الله جنات النعيم والنجاة من العذاب الأليم فقال تبارك وتعالى ( التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين). والبشرى هي بكل خير في الدنيا والآخرة ومن هذه البشارة قوله تعالى (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم).