من خلال 34 أمراً ملكياً تاريخياً حملت معها بشائر التنمية، رسم الملك سلمان ملامح الدولة، وذلك في أقل من أسبوع على توليه مقاليد الحكم. قبل ثلاثة أيام اتجهت أعين السعوديين بل والعالم أجمع نحو شاشة التليفزيون لمشاهدة «التاريخ» الذي يُتلى والمستقبل الذي يُرسم لحقبة جديدة في عهد جديد لملك أراد لشعبه العيش الكريم. وبقراءة متأنية للأوامر الملكية يتضح لك أن الملك سلمان يتمتع بعين الخبير المهندس، حيث وضع نصب عينيه المزج بين الكفاءة والخبرة والشباب في اختيار معاونية، كما أنه أراد وجوها غير مألوفة من خلال ضخه دماء جديدة قادرة على التغيير الذي يريده. بالنظر إلى تشكيل مجلس الوزراء تجد أن الملك سلمان وضع ثقته في شخصيات جديدة تحمل خبرات الإدارة، فهو لم يرغب في أن يضع أسماءً معروفة أو مشهورة بل أراد أن تكون الكفاءة والشباب هما المعياران الأساسيان في الاختيار، إضافة إلى تفكيره الحكيم في تدوير بعض المناصب والاستفادة من وزراء موجودين في مواقعهم بمواقع أخرى. القرارات الملكية الكريمة الخاصة بالتغييرات وضخ دماء جديدة قادرة على التغيير طالت وزارات الصحة والعدل والشوون الاجتماعية والاتصالات وتقنية المعلومات والتعليم والخدمة المدنية والزراعة والإعلام وللشؤون البلدية والقروية ما يعكس منحنيات إيجابية في هذه الوزارات التي تضطلع بأدوار مهمة. الأسماء التي تولت تلك الحقائب الوزارية مشهود لها بالعمل، والتخطيط الاستراتيجي في مجالات سابقة وهي أمام تحد جديد ما يوحي وينبئ بعطاءات جديدة ومسارات مختلفة خلال الفترة المقبلة. وزارات الشوون الإسلامية والإعلام والزراعة والاتصالات وتقنية المعلومات والصحة والشوون الاجتماعية كانت قد خضعت قبل أسابيع لتغييرات، لكن الملك سلمان حبذ أن يطالها تغيير آخر الأمر الذي يعكس حرصه على وضع تلك الوزارات أمام تحدٍ جديد ومسؤوليات مضاعفة من العمل لارتباطها بملفات تنموية مهمة والسعي لإيجاد منظومة مستقبلية تغير الوجه السابق للعمل في تلك الوزارات وتجديد عطاءاتها خصوصا وأن الوزارات الخمس تتعلق بتنمية الإنسان وبناء المستقبل. وعن وزارة التعليم فإن الوزير الجديد أمامه تحديات ربما تكون صعبة إذ أنه سيتولى حقيبتين وزاريتين في حقيبة واحدة، لذا عليه بذل جهد مضاعف للوصول إلى ما تريده القيادة في هذا القطاع المهم الذي توليه رعاية واهتماما كبيرين. وتضامنا مع الخطط الاستراتيجية لتطوير قطاع القضاء فقد تم ضخ وجها جديدا لهذا القطاع المهم، كما سعت الدولة أيضاً إلى القضاء على البيرروقراطية في وزارة الخدمة المدنية وتجديد التطلعات لوزارة تضطلع بأهم ملامح العطاء الوظيفي والخطط التنموية لبناء العمل الحكومي. وتغيير وزير الشؤون البلدية والقروية يكرس مناخا جديدا من المسؤولية والاعتماد على نهج جديد في التعيين لا يعترف بالعمل البيروقراطي بل يعتمد على الفكر الشخصي والتركيز على رجال الدولة وعلى التخطيط من خلال المنصب بعيدا عن التخصصية في نهج جديد يعتمد على النتائج قبل الأشخاص. إضافة إلى الزج بأسماء ووجوه جديدة في المناصب القيادية، فإن القيادة تدرس بعناية ودقة متناهيتين العمل المنتج من كل وزارة والأداء الموازي للتخطيط الأمر الذي انعكس على مواصلة الثقة في وزراء سابقين مثل الحرس الوطني والمالية والتجارة والصناعة والمياه والكهرباء والاقتصاد، والتخطيط والإسكان والحج والنقل والعمل إضافة إلى الزج بأسماء شابة وأخرى ذات خبرات متجددة تمثلت في وزراء الدولة الأمر الذي يعكس توجه الدولة للعمل المؤسساتي الاستراتيجي وتوديع العمل البيروقراطي وتوزيع المسؤوليات بشكل احترافي في مجلس الوزراء وتطوير الآلية التنفيذية في النماء والعطاء التنموي. إصدار الملك سلمان أمرا بدمج وزارتي التربية والتعليم مع التعليم العالي يضمن توحيد مسار العملية التعليمية في البلاد وتوجيهه في قناة وزارية موحدة من حيث التخطيط والميزانيات والمسؤوليات والصلاحيات والنهج المستقبلي والفكر المعرفي وتوحيد الرؤى نحو تعليم موحد ونهج متحد في مستقبل التعليم وفق كل مراحل التعليم لمواجهة التحديات والعمل المؤسساتي الاحترافي. كانت عين الملك سلمان تتجه على أهم منطقتين في السعودية وهما مكةالمكرمة قبلة المسلمين والعاصمة الدينية والرياض عاصمة الحكم ومقر صناعة القرار فأعاد الأمير خالد الفيصل إلى موقعه السابق، فهو الخبير بها وبتحدياتها وواقعها ومستقبلها، كما عين الأمير فيصل بن بندر أميرا للرياض وهو الخبير بشؤون إمارات المناطق طيلة عقود، حرصا منه على تفعيل الأداء التنموي والتخطيطي في هاتين المنطقتين. كما أن تصعيد الأمير فيصل بن مشعل وهو النائب لأمير القصيم السابق أميرا للمنطقة يدل على اعتماد القيادة على الخبرات. ويدل تشكيل مجلس الشؤون السياسية والأمنية ومجلس الشوون الاقتصادية والتنمية على رؤية ثاقبة وبعد نظر للملك سلمان إذ أراد توحيد العمل في قنوات رئيسة، تعمل على توظيف الأفكار لمواجهة التحديات والأزمات . ويراهن الملك سلمان على كفاءات من القياديين المتقاربين في التخصص والاختصاص والفكر الاستراتيجي، حيث أسند لها الملفات السياسة والأمنية والاقتصادية والتنموية، ما يدل على بعد نظر الملك في وضع استراتيجيات وأسس مرحلية لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية في وقت تواجه فيه الأمتين العربية والإسلامية والمجتمع الدولي ثمة متغيرات وتغيرات سياسية وإيدولوجية واقتصادية وأمنية تتعلق بوجود قوى خفية وجماعات إرهابية وبؤر لتصدير العنف وغيرها من التغيرات. وجاءت فكرة المجلسين في قرارات تاريخية تعكس حرص الملك سلمان على وضع قناتين رسمية مطمعة بمسؤولين من أصحاب الخبرات والتجارب الكبيرة لوضع الأسس الكفيلة بإنتاج عملي يواكب سمعة الدولة على خارطة العالم ويوازي حماية المملكة ومكتسباتها من التحديات والأعداء والأخطار والحفاظ على الهوية السياسية والاقتصادية لمواجهة الظروف الحالية والمستقبلة. ضخ الملك سلمان بخمسة مستشارين في الديوان الملكي إضافة للمستشارين الخاصين له ورئيس للشوون الخاصة له، وبتتبع الأسماء التي تم اختيارها وتعيينها تجد أن سيرتها الذاتية تدل على حكمة القرارات. تعيينات الملك سلمان لمناصب نائب وزير البترول ورئيسا جديدا لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم ورئيسا للهيئة العامة للطيران المدني ورؤساء جدد لهيئة الخبراء بمجلس الوزراء وهيئة مكافحة الفساد وهيئة الرقابة والتحقيق ورئيسا لهيئة سوق المال ورئيسا لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورئيسا للمؤسسة العامة للموانئ توكد أهمية المرحلة المقبلة، كما أنها تؤكد حرص القيادة على إحداث نقلة جديدة في هذه الهيئات والوزارات وتطعيم العمل القيادي فيها بقيادات شابة وطموحة وفاعلة تمهيدا لإحداث تغيير في خارطة العمل النوعي والاستراتيجي التنموي لهذه القطاعات العامة التي تضطلع بمسؤوليات وأسس مستقبلية لبناء الإنسان السعودي ورسم ملامح المستقبل في ميادين التنمية. الأوامر شملت أيضاً تعيين مساعد للسكرتير الخاص لخادم الحرمين الشريفين وسكرتير خاص لولي العهد ومستشار في ديوان ولي العهد ونائب لرئيس المراسم الملكية ومدير لمكتب وزير الدفاع وأمينا لمنطقة الرياض، ما يضمن إحداث نقلة نوعية ومسارات تنموية جديدة تقتضيها المرحلة. ضخ الملك سلمان 110 بلايين ريال لدعم الجمعيات الخيرية وتعديل سلم الضمان الاجتماعي ومجلس الجمعيات التعاونية والجمعيات المهنية المتخصصة ودعم للأندية الرياضية والأدبية ودعم لتنفيذ خدمات الكهرباء والمياه، خطوة رائدة ركزت على احتياجات الإنسان وفئات محتاجة وأخرى تحتاج لنقلة في تطوير واقعها. كما تهدف القرارات إلى توفير بيئة وطنية متناسبة مع حاجات الإنسان والعيش الكريم، فضلا عن أنها تتوائم مع أهدافه وآماله وطموحاته وأمنياته ومستقبله. في قرار إنساني يحمل عاطفة الملك نحو شعبه ويوظف مناخا فريدا من الحرص والاهتمام والتباشير أعلن الملك سلمان صرف راتبين أساسيين لكل موظفي الدولة والمتقاعدين والطلاب والطالبات الأمر الذي انعكس بتجليات وإيجابيات على مستوى الفرد والأسرة وحمل في طياته اهتمام القيادة بالمواطنين. إيمانا من الملك ووفق حرصة بلم شمل الأسر والإصلاح الاجتماعي وتوظيف مبدأ العفو الذي تعكسه شريعتنا الإسلامية فقد أصدر أوامره الكريمة بالعفو عن سجناء الحق العام والإعفاء عن الغرامات المالية حتى سقف نصف المليون ريال وإبعاد من يشمله العفو من غير السعوديين عن البلاد ومنعهم من الدخول. تلك القرارت تحمل أبعادا استراتيجية وتنموية وإنسانية، وأمنية واجتماعية فريدة.