إذا مر عليك تيار الثمانينيات، وهزك بكل قوته لينفضك ويقلبك رأساً على عقب، أو كان قد غير فِطرتك ولم يتركك إلا بعد أن أصبحت إنساناً آخر، فربما كنت بعيداً قبله عن الخطوط الأساسية للدين والعقيدة، ولكن إذا أصبحت بعدها ترى الفواحش في كل خطوة وكل فكرة تقف أمامك أو تطرأ على بالك، فربما تكون لديك إشكالية في طغيان سوء الفكر على المنطق والواقع، وهذا أمر عليك معالجته لأنه يخصك بمفردك وبالتأكيد سيُتعبك، وإن كانت حساباتك المنطقية تقودك دائماً في النهاية إلى الحرام، فأنت تتابع نيتك وأفكارك وتصرفاتك الشخصية المتوقعة، فلا تنضح بما يحتويه عقلك وتتهم به آخرين، وإن كنت ممن يرون أن زمن البراءة والطهر والطيبة انتهى، فهو أمر مؤسف أن يراك العالم تُغلق بصيرتك وتتظاهر بالعمى، وتسلم رأسك لآخر معتقداً أنه مبصر أكثر منك، إذ لا تستطيع أمام كل هذا أن ترى بعيون في رأس غير رأسك سماحة الدين، و جمال القيم، أو تلمس بنفسك الخير في نفوس الناس. حين صدر نظام حماية الطفل من الإيذاء، كان الهدف منه تجريم جميع السلوكيات المشينة التي تصدر من كافة شرائح وأطياف المجتمع التي تستغل براءة وضعف الطفل، سواء كان من طرف قريب أو بعيد، ولم يصدر النظام سوى لمنع وإيقاف الاعتداءات المتكررة على الطفل من جميع الجوانب، خاصة الجوانب النفسية والشخصية، وحين أقر نظام الحماية أن تتولى هيئة التحقيق والادعاء بالتحقيق في تلك الجرائم و مع كل من يثبت إيذاؤه للطفل، فذلك لكيلا يتحول المجتمع إلى وحوش وغابة يأكل فيها الكبير القوي الصغير الضعيف، وذلك بوضع عقوبة صارمة في حق كل معتد بغض النظر عن صلة قرابته للطفل. ومنذ بدء البشرية، وهناك من يدافع عن العدل والبراءة والحُب، اذ لابد أن تستمر في حياتنا القيم الإنسانية الجميلة، والنماذج الفطرية المعتدلة، التي لا يجب أن تندثر أو تُلغى فقط لأن فئة شريرة تفرض سيطرتها على المشهد والعقول باسم الدين. كانت قصص التوبة في أوج مجد المخيمات التوعوية، تعرض بطريقة ضعيفة ومبتذلة تمر على صغار السن والمراهقين، تبدأ بحبكة درامية مؤثرة، وتنتهي بالانتقام من ضحية في كل مرة، فمرة كانت الآلات الموسيقية كبش الفِداء التي فجر فيها هؤلاء غضبهم وسط تهليل وتكبير، ثم تلتها التوبة من «التفحيط»، وبعدها توبة المدخنين، وتجميع وتكسير علب السجائر وسط بكاء ودموع وممارسات تم أغلبها بعنف وصراخ، ولكن أن يتداعى الأمر لتصل التوبة إلى مرحلة استغلال الأطفال القصر، أمام مرأى ومسمع من الجهات الأمنية والاجتماعية في المملكة لأمر يستحق أكثر من وقفة، أن يستغل أفراد بالغون في تلك المخيمات أطفالاً قصراً، ليشحنوا عواطف المراهقين ويعززوا من خطابهم، بوهم دموع التوبة في مقاطع فيديو مخزية لا تدينهم فقط قانونياً حسب نظام حماية الطفل من الإيذاء، بل كشفت مدى ضحالة ثقافتهم الدينية، لأن أي إنسان عاقل يعرف أن الطفل مرفوع عنه القلم حتى يبلغ، وكشفت أيضاً مستوى التسيب والفوضى المسيطرين على تلك المخيمات من الجهات الرقابية في البلد. إذ تنص المادة الأولى من اتفاقية الأممالمتحدة لحقوق الطفل على تجريم إيذاء الصغار تحت سن 18، وهذا يُدرج كل من استغل الأطفال في المخيمات الدعوية بتلك الفيديوهات تحت بند (سوء معاملة الصغير)، ومنطقياً الشخص الذي يعذب أي طفل بين 6 سنوات إلى 15 سنة بأي شكل، سواء كان التعذيب جسدياً أو نفسياً شخص جبان، ولا يرقى لمستوى إنسان، بفعله لا يكون فقد آخر ذرة من المروءة فقط، بل يعاني اضطراباً شنيعاً في منظومة القيم الإنسانية داخله، ويُعد الشخص الذي ينظر لأي طفل أو (طفلة) بالذات في نفس تلك الفئة العمرية برغبة ويراها كالنساء البالغات، دون أن يردعه الطهر في براءة الطفولة يُعد مريضاً «بالبيدوفيليا»، وكلا النموذجين يعكسان تصرف أي شخص مختل يُترك دون رادع أو علاج. ومن المؤسف أن تهتز الضمائر ويستنكر ويتوعد جهاز الأمر بالمعروف في منطقة عبر بيان مطول لا يخلو من التهديد بمعاقبة المسؤول عن رقص صغيرات لم يتجاوزن الثامنة من العمر كنا رمزاً للبراءة والطهر في منطقة أخرى، دون أن تهتز أفئدتهم لبكاء مرير لأطفال آخرين تم استغلالهم منذ مدة باسم التوبة من الذنوب في أكثر من مخيم دعوي، ولكيلا تستمر ظاهرة معاقبة البراءة والطهر والجمال والخير، لأن هناك من يجند أفكاره لخيالاتٍ فاحشة في هذا الزمن، ينبغي أن يتم إضافة بند آخر لتجريم من يدنس براءة الطفولة.