مؤلم منظر الطفلين الباكيين والمذعورين، في الصورة المنقولة عن المخيم الدعوي الذي أقيم في الدمام أواخر ذي القعدة الماضي، وقد أحاط بهما من الخلف والجنب رجلان ملتحيان، وبدت أيدي الرجلين تمسكان بالطفلين اللذين لم يجاوزا العاشرة، كأنما ليعرضاهما للتصوير أو لمن يراهما في المخيم، أو ليهدئا فزعهما الذي تقرأه في عينيهما الدامعتين ووجهيهما البريئين على جسدين ناحلين تكاد تلمس بيديك ارتجافهما. أما ما يضاعف الألم والفجيعة من خارج الصورة فهي التغريدة التي رافقت نشر الصورة، بقصد الشرح للموقف فيها، وتحديد المعنى الذي تريد التغريدة أن تعبر عنه. وعلى عكس ما يثيره منظر الطفلين في الصورة من الألم واستجاشة التعاطف تجاه ما سبَّب لهما الذعر وأبكاهما، فإن التغريدة المرفقة بالصورة تعلن بهجتها ببكاء الطفلين وذعرهما، وفرحها بحزنهما، قائلة: «يا الله كم تؤثر هذه الدموع البريئة. دموع ممزوجة بالفرح بتوبة شبابنا بعد مناصحة المشايخ المحتسبين في استراحة الدمام»! ولست أدري لم وصف كاتب التغريدة دموع الطفلين ب «البريئة» ثم أتبع وصف البراءة بما يعني أن الدموع مسبَّبَة عن التوبة، ثم لم يترك الدموع والتوبة دون أن يَكْسَبَهما لصالح «مناصحة المشايخ المحتسبين» ويستغل براءة الطفلين للدعاية لهم! وليس خافياً ما تحمله سذاجة هذه التغريدة المؤدلجة، من قصد إلى مديح مناصحة «المشايخ المحتسبين» والتدليل على أثرهم وقوة مفعولهم في إحداث التوبة وهز القلوب وتطويعها واستجاشتها. لكن التغريدة –كما هي الصورة- أبانت عن عنف الخطاب الذي تحمله مثل هذه المناصحة وركونها إلى الوعيد والتخويف، وأبانت عن الرغبة في خطاب أولئك المحتسبين إلى تجسيد أثرهم وإحداث تطويع مباشر وفوري لهم يتنزل رعب الأطفال وبكاؤهم وطواعيتهم منزلة المثال له. ولم يكن عزوف التغريدة عن أي شعور بالألم تجاه منظر الطفلين، ومجاوزة ذلك الشعور إلى عكسه تماماً سوى تأكيد لدعواها تجاه «المناصحة» و«المحتسبين»، الذين تم تصوير الأطفال وعرض صورتهم للتدليل عليها. صورة الطفلين دليل على الاعتداء عليهما، من أكثر من وجه، فلم يبكيا من معاني الجمال والجلال والطمأنينة والرحمة والمحبة والاستبشار التي يفيض بها الدين في قلوب المؤمنين، بل من معاني الخوف والعذاب والفضيحة التي لا يسمح سنهما بتصور توجيهها لهما بغير معنى التخصيص والقصد. ومعنى ذلك أنهما ضحية إيذاء حتى وإن وصفنا هذا الإيذاء بالموعظة. وقد تم استغلال صورتهما الأليمة في الدعاية للمحتسبين، وهذا اعتداء آخر لم يحسب حساب كرامتهما واستقلال إرادتهما ولم يبال بصغر سنهما وعدم المسؤولية أو الاختيار في مثله. وإلى ذلك فهناك اعتداء مجسد في هذا الصنف من الخطاب الوعظي على معنى الطفولة وحقوقها الذي يرمز الطفلان له، بما يجاوز حقهما في ذاتهما. وزارة الشؤون الإسلامية أعلنت عدم علمها بالمخيم الذي حدثت فيه الحادثة، وأن إقامة مثل هذه المخيمات من دون تصريح مخالفة للأنظمة. فلنسأل مقام الوزارة -إذن- عن الدعاة الذين قدَّموا مواعظهم في المخيم: هل يملكون إذن الوزارة بالوعظ؟ وهل يمكن أن تأذن الوزارة لمن لا يعي من الوعاظ مثل هذا الاعتداء على الطفولة وإيذاء مشاعرها؟!