على الرغم من اتهامه بارتكاب جرائم حرب وتسبُّبه في وضع اقتصادي سيئ للسودان، يبدو عمر البشير الذي يرأس هذا البلد منذ 25 سنة الأوفر حظاً في معركة الانتخابات الرئاسية المقبلة. والبشير (71 عاماً) هو بحسب أنصاره الرجل الأقوى الذي يجب أن يبقى ممسكاً بالسلطة في بلد غارق في المشكلات، وحيث لا تتمتع أصوات المعارضة بكثير من التأثير. ولم يعرب أي مرشح آخر حتى الآن عن نيته تحدي الرئيس الذي انتهت ولايته وقدَّم أمس رسمياً طلب ترشحه إلى الانتخابات الرئاسية في ال 13 من إبريل، ويُتوقَّع تنظيم انتخابات تشريعية في الوقت نفسه. وقال عضو المفوضية الوطنية للانتخابات في السودان، الهادي محمد أحمد، للصحفيين أمس «بدأنا فتح باب الترشيح لرئاسة الجمهورية والبرلمان والمجالس التشريعية الولائية». وأوضح «حتى الآن تسلمنا طلب ترشح عمر حسن أحمد البشير لرئاسة الجمهورية والإجراءات حالياً تحت الفحص ومن ثم إعلان قبول الترشيح». وتستعد المعارضة لترفع مجدداً شعار المقاطعة الذي رفعته في 2010 أثناء انتخابات انتقدها مراقبون دوليون. وبحسب المعارضين، فإن بطاقات الاقتراع شهدت تزويراً في هذه الانتخابات التعددية الأولى، التي تُنظَّم منذ وصول البشير إلى السلطة عام 1989 إثر انقلاب عسكري. ويحكم الرئيس السوداني اليوم ثالث أكبر دولة إفريقية من حيث المساحة، ويقيم فيها نحو 39 مليون نسمة. وطغى على فترة الربع قرن من حكمه نزاع مدمر في إقليم دارفور كان السبب في إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة بتوقيفه بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وإبادة، كما شهد حكمه قيام دولة جنوب السودان في 2011 بعد اتفاق سلام وضع حداً ل 22 سنة من الحرب الأهلية. وخلال العام الماضي، ترك البشير المجال للشك حيال إمكانية ترشحه إلى الانتخابات الرئاسية قبل أن يعاد انتخابه في أكتوبر رئيساً لحزب المؤتمر الوطني الحاكم. وفي يناير الجاري، تم تعزيز سلطات الرئيس عبر سلسلة تعديلات دستورية تسمح له بتعيين حكام الولايات الذين كان يتم انتخابهم حتى إقرار هذه التعديلات. ويعتبر أحمد سليمان من مركز شاتام هاوس للأبحاث أن «البشير يتمتع بموقع قوي داخل الحكومة». وعلى الصعيد الدولي، سعى البشير إلى تلميع صورته وذلك عبر زيارات إلى مصر ودول أخرى في المنطقة وعبر استقباله وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف. في الوقت نفسه، علَّقت مدعية المحكمة الجنائية الدولية التحقيقات التي تستهدفه لتخصيص أموال المحكمة لملفات أخرى، وتنديداً بعدم تأثر الأممالمتحدة بما يجري في غرب السودان من أعمال العنف. وعلى الرغم من اعتبار القرار انتصاراً حققه البشير»تظل مذكرة التوقيف الصادرة بحقه سارية» بحسب الخبير في مجموعة الأزمات الدولية جيروم توبيانا. ويتوقع توبيانا أن «يفوز حزب المؤتمر الوطني دون صعوبات، لكن كل المشكلات ستبقى بحاجة إلى تسوية». وبالدرجة الأولى، تظهر الصعوبات الاقتصادية في البلد الذي يعيش نصف سكانه دون عتبة الفقر. وبعد خسارته 75% من عائداته النفطية على إثر قيام دولة جنوب السودان في 2011، يقع السودان تحت عبء ديون خارجية بقيمة 45.1 مليار دولار، بحسب البنك الدولي. وفي مناطق دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، تدور معارك دامية بين القوات الحكومية وحركات تمرد مسلحة. وفي هذا الإطار، أطلق الرئيس البشير في يناير الماضي «حواراً وطنياً»، داعياً مجموعات المعارضة والمتمردين إلى المشاركة فيه، لكن هذا الحوار يواجه صعوبات في الانطلاق. من جهتها، تقدمت المعارضة نحو مزيد من الوحدة ووقعت في ديسمبر الماضي اتفاقاً أُطلِقَ عليه اسم «نداء السودان»، ويطالب بحكومة انتقالية تضمن تنظيم انتخابات محايدة. ولم تتوقف أجهزة الاستخبارات النافذة عن ممارسة الضغط على كل الأصوات المنشقة، فاعتقلت اثنين من الموقعين على الاتفاق لدى عودتهما من إثيوبيا، حيث اجتمعت شريحة واسعة من الأحزاب المعارضة والمجموعات المتمردة. وهذه الوحدة «تبقى هشة لأن مجموعات المعارضة هذه كانت لفترة طويلة ممزقة بسبب الخصومات الشخصية»، كما يقول أحمد سليمان.