لن أناقش هنا قضية الكاتب حمزة كشغري من جانب ديني، فقد أفتى بذلك المتخصصون، ولن أناقش القضية من جانب قضائي فهي على طاولة المتخصصين، ولكن اسمحوا لي أن افتح حوارًا من جانب آخر لعله يثري هذه القضية، وهي محاولة للإجابة عن سؤال خطر على بالي وأنا أتأمل تلك القضية والقضايا المشابهة لها. هذا السؤال هو: لماذا يجد «كاتب ما» من دولة مسلمة، تربى تربية إسلامية ونشأ في وسط إسلامي، في نفسه ما يجعله يكتب مثل هذا الكلام عن مقدساته ومقدسات مجتمعه؟. قبل أن اطرح رأيي وتأملاتي في هذا الجانب، أؤكِّد على أنَّ ما أقوله هنا ليس تبريرًا وإنما مجرَّد تحليل، ولعلي أبدأ رأيي هذا بسؤال: هل كل هذه «الحالة الاجتماعية الإسلامية» التي انغمسنا فيها وعايشناها منذ ولادتنا وحتى بلوغنا سن الشباب، تزرع فينا حبَّ الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، أم هي تخلق فينا حالة «انتمائية» فقط؟ وقد يسأل أحدهم، ما الفرق بين حب الانتماء وحب الإيمان؟ برأيي أنَّ الحب النابع عن الإيمان يخلق اهتماماً يكرسه الشخص لمن يحب، بحيث ينعكس على خلقه وتصرفاته، أقصد أنَّ حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم «ينعكس على ذواتنا» أما حبَّ الانتماء فهو مجرد حبٍ للذات ينعكس على ما «ينتسب لنا»؛ فنحن نحب الإسلام، ونحب القبيلة، ونحب الرسول صلى لله عليه وسلم، ونحب الوطن ونحب الفريق الذي نشجعه.. الخ!. ولعلنا نُلاحظ هذا الفرق بين حب الإيمان وحب الانتماء حينما نشاهد من يكذب ومن يسرق ويعيث في الأرض فسادًا، وفي ذات الوقت تجده غاضباً لسب الرسول! أعتقد أنَّ غضبته لو كانت نابعة من حب الرسول صلى الله عليه وسلم لكانت أولى في ردعه عن السرقة والفساد والسب والشتم الذي كان عليه قبل غضبته ومايزال يُمارسه بعد غضبته! هذا الكلام لا أسوقه لأنكر على المُغضب غضبته على سبِّ النبي صلى الله عليه وسلم، وإنَّما لأحلل لماذا يتكون بيننا مثل تلك الآراء المتطرفة والإلحادية في مجتمع «يزعم» أنَّه يُرضع أفراده الدين مع حليب أمهاتهم؟!. ولذا أعتقد أنَّ معظمنا يمارس حب «الانتماء» مع مقدساته، ولذا تجد ردة فعل الكثير على ما حدث من المتطاول حمزة كشغري أنَّه مارسه معه دفاعه عن ذاته وممتلكاته، ولم يمارس معه خُلق من يحبه (رسول الرحمة) مع المعتدين!. سؤال آخر اختم به حديثي، وله علاقة بنمو جيل يتعدى على الثوابت والمقدسات، هل «الممارسة» الدينية لدينا، تسير بنفس التحديث الذي يسير به المجتمع؟ هذا سؤال مهم لأنَّ الممارسة الدينية حينما لا تكون من التحديث بمكان، لدرجة أنَّ المجتمع يضطر للبحث عن أشكال مدنية وحضارية (خارج الممارسة الدينية) لتسيير أمور حياته، هنا تحدث فجوة – بعد فترة من الزمن – بين جيل له طموحاته وأحلامه، ويعيش ثقافته الإعلامية والقانونية والمالية والرياضية؛ التي لم تُحدِّث «الممارسة الدينية» نفسها عليها، وبالتالي ينتج لدينا تجربة إعلامية (خارج الممارسة الدينية)، وينتج لدينا تجربة اقتصادية (خارج الممارسة الدينية) وأيضاً تجربة قانونية (خارج الممارسة الدينية)، وحالة الخروج المزمن وخلق البيئات البعيدة عن ثقافة الممارسة الدينية ورموزها تلك، ينتج عنها جيلاً من الشباب مُعادياً لتلك الممارسة الدينية التي تقف أمام طموحاته – وفي اقل الأحوال – نجد تلك الأجيال الشابة لا تُعطي الاحترام المطلوب لتلك الممارسة الدينية البعيدة عن بيئته وعالمه وطموحاته، ولذا على المسؤول عن تقديم وتنظير الممارسة الدينية من علماء أفاضل ومشائخ لديهم البعد الاستراتيجي، أن يأخذوا بعين الاعتبار هذا الخلل في الممارسة وليس في الدين ذاته.