تشير الأرقام الإحصائية الصادرة عن مرصد التعليم العالي في المملكة إلى تزايد الإنفاق الحكومي على التعليم العالي بنسبة نمو تقارب 152.2 % خلال العقد الماضي حيث بلغ الإنفاق على الجامعات الحكومية التي يبلغ عددها حالياً 25 ما قيمته 84 مليار ريال في عام 1435 وهذا المبلغ يشكل نسبة 46.5% من الإنفاق العام على التعليم في المملكة والذي يبلغ ما يقارب 210 مليارات ريال أو ما يعادل 7.5% من الناتج المحلي الإجمالي وهي من أعلى النسب في العالم. وسيزداد المنفق على التعليم العالي في السنوات المقبلة إلى ما يقارب 100 مليار ريال نظراً لارتفاع عدد الجامعات إلى 28 جامعة حكومية بعد أن تم الموافقة على إقامة 3 جامعات جديدة في عدة مناطق في المملكة. من جهة أخرى تبلغ نسبة الإنفاق الجاري على الرواتب والأجور ومكافآت الطلاب والبنية التحتية ما يقارب 80% من الإنفاق العام للجامعات وتتوزع النسبة الباقية على البحث العلمي بنسب تتراوح بين 5.5% و10% والابتعاث بنسبة تقارب 8% والمنفق على البرامج التدريبية نسبة ضئيلة لا تتجاوز 2%. تبلغ تكلفة التعليم للطالب الجامعي ما يقارب 58000 ريال سنوياً وهذا المبلغ يشمل حوالي 10000 ريال سنوياً يأخذها الطالب كمكافآت شهرية بمعدل 1000 ريال شهرياً أثناء دراسته الجامعية. وتكون حصيلة تكلفة الطالب خلال سنوات دراسته والتي تبلغ في المتوسط 5 سنوات لكافة التخصصات ما يقارب 300000 ريال وهي تكلفة باهظة. واذا ما تم مقارنة الإنفاق على تعليم الطالب الجامعي مع معدل العائد على التعليم والذي لا تتجاوز نسبته 10.6% على المجتمع وعلى مستوى الفرد يبلغ معدل العائد 21%. من التحليل السابق يمكننا التوصل إلى نتيجة مفادها أن الاستثمار في التعليم العالي في المملكة تكلفته أكثر من عائده ويحتاج الأمر منا التوقف والبحث للتخفيف من آثار ارتفاع تكلفة الطالب الجامعي لدينا في المملكة العربية السعودية خصوصاً ونحن نمر في فترات انخفاض أسعار البترول عالمياً لمستويات أقل من 80 دولار للبرميل مما يضعف من عائدات البترول التي تشكل حوالي 90% من موارد الموازنة العامة للدولة السعودية. من ضمن المقترحات التي يمكن تقديمها لدراستها من قبل المسؤولين في وزارة التعليم العالي ما يلي: (1) التخلي عن سياسة قبول جميع الناجحين في التوجيهية العامة في المملكة وتوجيه ما يقارب نصفهم إلى الكليات المهنية والفنية والتقنية تلبية لحاجة سوق العمل في المملكة في قطاعات الصناعة والتجارة والسياحة والزراعة والتعدين والإسكان والنقل والقوات المسلحة والأمن العام. وقد انعكست سياسة قبول جميع خريجي الثانوية في الجامعات سلباً على جودة التعليم بحيث أصبحت نسبة الطلاب/ الأستاذ الجامعي في عدد من الجامعات تزيد عن 1:80 وهي نسبة مقلقة جداً في الكليات العلمية وحتى في الكليات الإنسانية وتؤثر سلباً على جودة مخرجات التعليم . (2) وضع حد أدنى لعلامة القبول في الجامعات السعودية بنسبة 75 % فما فوق في امتحان الثانوية العامة بحيث يتم توجيه من يحصل على أقل من هذا المعدل إلى الكليات المهنية والحرفية والتقنية والفنية. وهذا الأمر معمول به في عدد من بلدان العالم بما فيها عدد من البلدان العربية كالأردن على سبيل المثال لا الحصر. (3) أن يتم التشريع بإقامة جامعات خاصة غير ربحية على غرار الجامعات غير الربحية في الولاياتالمتحدة وكندا وبريطانيا وأستراليا وعدد آخر من البلدان. (4) حث مؤسسات القطاع الخاص على تمويل ما يقارب من 30% من الطلاب السعوديين في الجامعات السعودية تعزيزاً لمبدأ الشراكة مع الحكومة في تحمل الأعباء الوطنية. (5) الحرص على استدامة التعليم العالي في المملكة يتطلب منا التفكير النقدي المبدع خارج الصندوق لكي نحافظ على استدامة تمويل التعليم في أوقات الأزمات الاقتصادية التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وأخذاً بمقولة الاقتصادي العالمي المشهور كينز صاحب النظرية الكينزية في الاقتصاد «ليس هناك عشاء مجاناً» نقول بضرورة تحملنا جميعاً من حكومة ورجال أعمال وأسر وأفراد أعباء ونفقات تعليم أبنائنا لكي نحافط على الاستدامة في تقديم هذه الخدمة لمن يطلبها من أفراد المجتمع. أستاذ الاقتصاد ومستشار التطوير والجودة في جامعة الطائف