تشير احدى الدراسات الرسمية المنشورة على شبكة الإنترنت الى أن متوسط تكلفة التعليم لكل طالب في المملكة تصل إلى اثني عشر ألف ريال سنويا في التعليم العام من الابتدائي إلى الثانوي بينما تبلغ نحو ثلاثين ألف ريال سنويا بالنسبة للتعليم الجامعي . واذا أضيف افتراضيا مانسبته 25٪ من هذه القيمة كمصاريف اضافية على تعليم الطالب من قبل الأهل، فإن متوسط تكلفة التعليم سيرتفع سنويا ليبلغ خمسة عشر ألف ريال للتعليم العام وما يقارب ثمانية وثلاثين ألف ريال للتعليم العالي. هذه التكلفة يمكن الاستفادة منها لتقدير ما تم صرفه من أموال على تعليم المواطنين العاطلين عن العمل وذلك من خلال تطبيق نسب الرسوب في مراحل التعليم العام وايضا نسب الخريجين في التعليم الجامعي والمعاهد على نتائج حملة وزارة العمل الأخيرة للتوظيف والتي سجلت 155759 من الذكور الساعين للحصول على وظيفة من جميع انحاء المملكة : 60812 منهم حاصلون على دبلومات أو مؤهل عال أو دراسات عليا ويمثلون نسبة 14٪، 45170 لديهم شهادة الثانوية العامة ويمثلون نسبة 29٪، أما البقية البالغ عددهم 88783 فلديهم مؤهلات أقل من التعليم الثانوي ويمثلون نسبة 57٪ . وبعملية حسابية تقديرية، يكون مجموع ما تم صرفه كتكلفة ثابتة على تعليم هؤلاء العاطلين من قبل الحكومة والأهالي أكثر من 26 مليار ريال، يضاف إليها تكاليف سنوية متغيرة ومتراكمة تزداد قيمتها بطول المدة التي يقضيها كل مواطن عاطل عن العمل وكذلك عدد العاطلين ... وتشمل حاليا ما يزيد على 2,5 مليار ريال سنويا مقدار ما يدفعه القطاع الخاص لنفس العدد من العمالة الأجنبية (155759 عاملاً) والذي من المفترض أن يكون هؤلاء العاطلون بدلا منهم في مواقع العمل، وايضا اكثر من 600 مليون ريال سنويا يدفعها الأهالي كمصروف شخصي لأبنائهم العاطلين وكذلك لإعادة تأهيلهم عن طريق إلحاقهم بدورات تقوية لتعلم مبادئ اللغة الإنجليزية والحاسب الآلي وغيرها، يضاف إليها مقدار ما تم رصده سنويا ميزانية لصندوق الموارد البشرية لإعادة التأهيل بعد كل هذه السنين الطويلة من التعليم والبالغ 600 مليون ريال سنويا، والمتوقع زيادتها الى اكثر من 2 مليار ريال سنويا، ليصل مجموع ما تم انفاقه كتكاليف ثابتة ومتغيرة الى أكثر من 30 مليار ريال سنويا. وإذا أضفنا عدد الإناث الباحثات عن وظيفة والذي يقدر بأكثر من 200 ألف فتاة، فسيتضاعف بشكل كبير الهدر في الجانب المالي ليزيد على 60 مليار ريال سنويا، وكذلك الجانب البشري الذي لا يمكن حصره متمثلا في جهود القائمين على المؤسسة التعليمية على جميع المستويات وكذلك جهود الأهل والطلاب اللامحدودة على مدى السنين الطويلة ... مما يوضح الهدر الضخم في موارد المملكة المالية والبشرية نتيجة لسوء التخطيط . إن السبب الرئيس في ذلك هو البرامج التعليمية التي لا توفر المرونة للطالب لكي يختار المجال المناسب لرغباته وقدراته العلمية، كما أن الخطط التعليمية لا تتماشى مع متطلبات السوق والواقع الاقتصادي للمملكة . إنما نظام تعليمي يجبر الطالب على الانتضام في مدارس التعليم العام بغض النظر عن نتائجه الدراسية لينتهي به المطاف الى الرسوب وترك مقاعد الدراسة كما هو واضح من نتائج حملة وزارة العمل، أو انهاء جميع المراحل ... ومن ثم التحاق الأغلبية بمعاهد وكليات نظرية . وفي كل الحالات السابقة سينضم هؤلاء الطلاب الى اصحاب الملفات الخضراء من طوابير العاطلين بحجة عدم توفر المهارات اللازمة لسوق العمل . هؤلاء الطلاب - حقيقة - في وضع لا يحسدون عليه، فهم تائهون بين نظام تعليمي لا يتمتع بالمرونة وبين قطاع خاص ينتقد بشكل مستمر مخرجات هذا التعليم . لذلك فأنه من المناسب إعادة النظر في النظام التعليمي ليتناسب مع متطلبات سوق العمل وذلك بإتخاذ العديد من الخطوات اللازمة لإعادة هيكلة البرامج التعليمية . أولها: توجيه جميع الطلاب الحاصلين على معدل أقل من 75٪ في المرحلة المتوسطة الى الثانويات الصناعية المشتملة على مختلف التخصصات الفنية، ويسمح للبقية بإكمال مراحل التعليم الثانوي العام مع التركيز على الأقسام العلمية . ثانيا: إلحاق الطلاب المتسربين من التعليم قبل نهاية المرحلة المتوسطة نتيجة الرسوب أو أي أسباب أخرى الى المعاهد الفنية لتعلم المهارات الحرفية المختلفة كالميكانيكا العامة وميكانيكا السيارات والكهرباء العامة وكهرباء المنازل والتكييف والتبريد والسباكة والحلاقة وخياطة الملابس والتصوير والفندقة وخدمات المطاعم والنجارة والتنجيد والدهان وغيرها من الحرف ... على أن يعطى الطالب الفرصة لتعلم مهارتين على الأقل. ثالثا: يحول الطلاب المتخرجين من الثانوية العامة بمعدل أقل من 80٪ الى الكليات والمعاهد الفنية التي تمنح شهادة الدبلوم خلال مدة أقصاها ثلاث سنوات . رابعا: تستوعب الجامعات جميع الطلاب الحاصلين على معدل أعلى من 80٪ مع التركيز والتوسع في الكليات العلمية والتقليل من الدراسات النظرية . خامسا: في حالة عدم حصول الطالب على المعدلات المناسبة للدخول في التعليم الثانوي العام أو الجامعي ويرغب المضي في هذا الطريق، فيمكن لولي أمره إلحاقه بأي مدرسة أو كلية خاصة أو اعطائه الفرصة للإكمال في المدارس الحكومية مقابل رسوم محددة . سادسا: الاستعانة بالمعاهد والكليات والجامعات المعروفة بمستوياتها العلمية دوليا لتصميم برامج التعليم الفني والجامعي ... خاصة وأنه يخطط - كما نشر مؤخرا - لتنفيذ 50 كلية تقنية ونحو 100 معهد تدريبي في المملكة بتكلفة تزيد على 6 مليارات ريال . سابع: التركيز في جميع مراحل التعليم على تعلم اللغة الإنجليزية لأهميتها في هذا العصر وكذلك في الحصول على عمل لدى القطاع الخاص . كل ماسبق من اقتراحات سيخلق الجدية والمنافسة بين الطلاب بدلا من التسيب الحالي وسيوفر مرونة كافية للطالب لتحديد هدفه واختيار ما يراه مناسبا لرغباته وقدراته الدراسية أو ظروفه الشخصية، كذلك سيلبي متطلبات القطاع الخاص بوجود طلاب خريجين في جميع المستويات مؤهلين للإنخراط مباشرة في العمل ... ولتحقيق ذلك، يتطلب اعداد برنامج وخطة عمل ذات جدول زمني من قبل وزارة التربية والتعليم، وزارة التعليم العالي، وزارة العمل، وزارة المالية، وزارة الاقتصاد والمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني وبالتعاون مع القطاع الخاص، من أجل وقف الهدر الكبير في موارد المملكة المالية والبشرية وأن لا يكون هناك المزيد من التائهين مستقبلا. ٭ ماجستير إدارة المشاريع