جميع الاقتصادات الأربعة الناشئة (الصين، الهند، البرازيل، روسيا) تملك أسباباً وجيهة للتفاؤل بمستقبلها الاقتصادي.. وتملك أيضاً أسباباً للتشكيك في استمرار هذه الحقبة المزدهرة. فمن أسباب التفاؤل أن الصين والهند تمتعتا بمعدلات نمو اقتصادي خلال العقد الأخير من خلال رفع كفاءة الإنتاج واكتساح العالم بصادرات منافسة، بينما البرازيل وروسيا تتمتعان بثروات ضخمة من النفط والغاز والخشب والمعادن في ظل ارتفاع أسعارها الذي غذى خزينتي الدولتين بلا توقف خلال عقد من الزمان. العالم يشهد على بروز هذه الدول الأربع كلاعبين كبار على المستوى العالمي مما يعني أن كلا من هذه الدول الأربع أجاد إدارة موارده البشرية والطبيعية لتحقيق عوائد اقتصادية كبرى، ولكن كثيراً من الاقتصاديين ما زالوا يشككون في القواعد الأساسية للاقتصادات الناشئة ومدى قدرتها على الاستمرار لمدد أطول من عقد أو عقدين من الزمان. الصين مثلاً تعاني من الاعتماد المتزايد على التصدير كمنهجية اقتصادية مما يعني اعتماد اقتصادها على القدرة الشرائية لدول العالم المستوردة. وهذا ما عانت منه اليابان بشكل أو بآخر إذ غالباً ما تكون معرضة للآثار السلبية للاقتصاد العالمي مهما كان اقتصادها سليماً ومزدهراً. البحث عن معادلة اقتصادية لا تعتمد على التصدير يعني أن تتجه الصين إلى سوقها الداخلي بدلاً من تركيزها على السوق الخارجي. هذا يعني أن تسعى الصين إلى تحفيز الاستهلاك المحلي، وهو أمر مرهونٌ بارتفاع القدرة الشرائية للمواطن الصيني ورغبته في استهلاك منتجات وطنية وليست مستوردة. بمعنى آخر، يجب أن تجعل الصين من مواطنيها قاعدة استهلاكية بعد أن جعلت منهم قاعدة إنتاجية لسنوات طويلة. هذا التوجه يعكس مشكلة اقتصادية تسمى أزمة الطبقة المتوسطة. فمع ارتفاع مستوى دخل المواطن فإن تكلفة اليد العاملة ترتفع أيضاً فتفقد الصين ميزتها التنافسية في العمالة الرخيصة مما قد يؤدي إلى كساد اقتصادي يُعجز الحكومة الصينية عن رفع مستوى دخل المواطن الصيني من أجل تشجيع السوق الداخلي والاستهلاك المحلي. إنها متاهة دورانيّة تواجه الصين في عقدها القادم ولامناص من خوضها. الاقتصاد الهندي لا يضع عوائق أمام ارتفاع مستوى دخل المواطن الهندي بوصفها دولة ديمقراطية ذات اقتصاد رأسمالي منذ عقود طويلة، ولكن إدارة هذا النظام الاقتصادي بما يضمن جريان الأموال باتجاه الطبقة المتوسطة هو المهمة الصعبة التي تواجهها الحكومة الهندية التي تعاني من الفساد والمحسوبيات وانخفاض الكفاءة. فالهند عانت ومازالت من أنواع مختلفة من الطبقيات، أهمها الطبقية الاقتصادية التي تجمع في بلد واحد أثرياء في قائمة الأغنى على مستوى العالم وأفراداً هم الأفقر على مستوى العالم أيضاً. وبالتأكيد أن الهند نجحت خلال العقد الأخير في بناء طبقة متوسطة يعوّل عليها ولكن ذلك تم عن طريق سياسة هجينة تجمع بين الانفتاح على السوق العالمي والحمائية فيما يخص بعض القطاعات المهمة. ورغم نجاح هذه السياسة على المدى القصير إلى أنه يصعب الاستمرار عليها لأن ترسل إشارات غامضة للمستثمر الأجنبي ومدى انفتاح الهند على آفاق الاقتصاد العالمي. وهو الأمر الذي تعتمد عليه أغلب شركات التكنولوجيا الهندية بشكل أو بآخر. فما زالت الهند -رغم نموها الاقتصادي الكبير- تحتل مرتبة متأخرة في قائمة سهولة إدارة الأعمال. هذا يضع أمام الهند مسؤولية تصميم نظام اقتصادي أكثر وضوحاً وشفافية خلال العقد القادم. روسيا ترزح حتى الآن في فساد ممنهج ومتحالف مع السلطة.. وهذا بحد ذاته داع كاف للقلق على مستقبلها الاقتصادي. فالدولة التي نشأ أغلب أفراد شعبها تحت النظام السوفييتي عديم الطبقات تقريباً (باستثناء النخب الحزبية الحاكمة) واجه بعد سقوطه طبقية اقتصادية هائلة، وتشكل بين محدثي الثراء ومعدومي الحظ حاجز اقتصادي هائل. ولأن الاقتصاد الروسي يعتمد كثيراً على الثروات الطبيعية والصناعات الثقيلة، فإن عدم التنوع هذا يشجع على استمرار احتكار النخب الاقتصادية بمواقعها. وبالتالي، ليس بوسع الحكومة سوى التأميم الجزئي لأغلب هذه الشركات في محاولة لاستخلاص جزء من أرباحها وإعادته لخزينة الدولة. إذا استمرت روسيا في هذا الطريق فإنها تخاطر بخلخلة النظام الاجتماعي -وهو ما بدأت بوادره فعلاً في المظاهرات التي اجتاحت موسكو عشية الانتخابات الأخيرة- وكذلك تعطيل مسيرة الاقتصاد نحو النمو والتنوّع. لاسيما وأن صادراتها الأساسية -الغاز- تحت التهديد الفعلي مع تذبذب أسعاره ودخول احتياطيات كبرى من الغاز إلى السوق العالمي من آسيا الوسطى وشمال أمريكا والصين. البرازيل تبدو أكثر هذه الدول الأربع تقدماً في مجال الإصلاح الاقتصادي من مكافحة الفساد والتركيز على الطبقة المتوسطة ورفع كفاءة الأنظمة الحكومية وتشجيع القطاع الخاص واستقطاب الاستثمارات. مثار قلق البرازيليين يكمن في احتياطيات النفط الهائلة التي تم اكتشافها في أعماق المحيط الأطلسي قبالة شواطئها، وهي التي متى تمكنوا من استخراجها فقد تؤدي إلى تثبيط همم الإصلاح الاقتصادي بسبب توفر هذه الثروة الهائلة التي تقود إلى الرفاهية دون تعب. ولذلك يرى كثير من السياسيين في البرازيل تأجيل مشروع استخراج هذه الثروة والاكتفاء بالثروات المتوفرة حالياً، ولكن مثل هذا القرار يصعب تمريره في دولة ما زالت شريحة كبيرة من سكانها ترزح تحت الفقر.