«أسطورة الضربة الإسرائيلية العسكرية لإيران»، كان هذا عنوان المقال الذي كتبته في عام 2006 ونشر في مركز الخليج للأبحاث الذي يرأسه الدكتور عبدالعزيز بن عثمان بن صقر. كما تدركون الآن تفصلنا عن هذا التاريخ ست سنوات، نعم ست سنوات ومازال الحديث يدورعن إمكانية النظر في قصف المنشآت النووية الإيرانية، علماً أنّ النقاش حول الموضوع كان قد بدأ قبل ذلك التاريخ بسنتين على الأقل. وفي كل عام نشهد موسماً تشتد فيه البروبجندا بين إسرائيل وإيران، فنسمع عن تسريب من هنا أو عن تعليق من هناك يتحدث عن سيناريوهات عسكرية وعن استعداد إسرائيل لقصف إيران ثم ترد إيران بتهديدات تتضمن تصريحات لمحو إسرائيل من على الخارطة وإحراق دول الجوار حيث القواعد الأمريكية. ثم تتناول وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة الخبر، وتبدأ التصريحات والتصريحات المضادة، وتطرح التحليلات والنقاشات والتخمينات والأخرى المضادة لها، ولا نزال إلى اليوم (بعد مرور ست سنوات) ندور في نفس الدائرة المفرغة من المهاترات والبروبجندا الإعلامية الإيرانية والإسرائيلية. وكما بات معلوما، ففي عام 1981 قامت إسرائيل من دون تهديدات ولا تصريحات ولا تسريبات بإعطاء أمر بقصف المفاعل النووي العراقي في الوقت الذي كان فيه العراق مشغولا بمواجهة نظام الملالي العدو المفترض لتل أبيب! فانطلقت 14 مقاتلة إسرائيلية (ثماني من طراز اف- 16، وست من طراز اف-15 لتأمين الغطاء الجوي) لتقصف المفاعل النووي، علما أنّ تريتا بارسي يقول في كتابه إنّ اجتماعا جرى قبل ذلك بين إسرائيل وإيران ووافقت الأخيرة على أن تحط المقاتلات الإسرائيلية في مطار تبريز حال حصول أي مشكلة لها. وهذا يعيدنا إلى موضوع أنه إذا كانت هناك نيّة حقيقية لقصف طهران فلا يحتاج الأمر إلى كل هذه المشاحنات الإعلامية، بل إنّ مثل هذه التصريحات تصبح بمثابة إنذار للآخر ليتخذ جميع الاحتياطات اللازمة لحماية نفسه، أليس هذا ما فعلته طهران؟! لا يمكننا أن ننفي بشكل مطلق من الناحية النظرية على الأقل وجود بعض الأشخاص لدى الجهتين يرون مصلحة في اندلاع حرب، لكن من الناحية الواقعية العملية، من الواضح أنّ كلاًّ من طهران وتل أبيب تستفيد من البروبجندا الإعلامية، وهو ما يعني التقاء مصالح للطرفين في إبقاء هذا العداء الاصطناعي، وكلاهما يعلم أنّ هذا الخطاب للاستهلاك الداخلي فقط. فإسرائيل تستخدم الفزاعة الإيرانية التي تريد محو تل أبيب لاستدراج عطف الغرب والحصول على الدعم المالي والسياسي والعسكري غير المحدود وغير المشروط، وهو الذي يضمن تفوق إسرائيل في المنطقة وعلى حساب العرب تحديدا. ومن دون هذا الدعم ستكون تل أبيب دولة أقل من عادية، وهذا يعني أنّ السياسة الإيرانية في هذه الحالة تصبح سببا للتفوق الإسرائيلي في المنطقة! وفي المقابل، تستفيد إيران من هذا العداء المصطنع لتظهر بمظهر المظلوم المضطهد والمحاصر، ولتستخدم مفهوم المظلومية هذا للاستحواذ على دعم الإسلاميين واليساريين بشكل عام ولاسيما في العالم العربي، ولتغطي بذلك على أجندتها الطائفية في المنطقة تحت شعار أنها معادية لإسرائيل وأنها تقود مقاومة للكيان الغاصب. أليس هذا جوهر المسرحية؟