هنا يمكن أن يشتمل جدولك اليومي والأسبوعي على أي نشاط تريد أن تقوم به، وبما أنك مرتهن لقائمة نحيلة جدا من الخيارات فبإمكانك قضاء المساء في مقهى صغير وصاخب، أو تسحيب أقدامك على أحد شوارع المشاة التي أخذت تنتشر مؤخرا، أو قضاء الوقت أمام التلفزيون أو مع الأصدقاء أو في نشاط آخر، إلا أنه لا يمكن لك أن تذهب إلى المسرح، ليس لأنه بعيد أو ممل أو مكرر، ولا لأنه مزدحم بالناس وعامر بالضجيج، لكن لسبب يسير وغريب في الوقت ذاته ؛ لأنه غير موجود!! في عام 1960م كتب محمد مليباري مسرحية (فتح مكة) وكان يفترض أن يتم عرضها على مسرح قريش الذي كان سيفتتحه أحمد السباعي، لكن كل هذا لم يحدث فقد أجهض المشروع ولم يفتتح المسرح، ولم تعرض المسرحية، ورغم أن الفترات اللاحقة قد شهدت كثيرا من المحاولات والأنشطة والمبادرات المسرحية، إلا أنها لم تؤسس لمسرح سعودي حقيقي، ومع أن كثيرا من الفنانين الحاضرين الآن قدموا من المسرح، أو هم فارون بفنهم من المسرح إلى الدراما، لأن المسرح السعودي وبعد أكثر من ثلاثين سنة على انطلاقه ظل دون أن يؤسس لحركة مسرحية لها شرعيتها المؤسساتية والاجتماعية، ولها أيضا فاعليتها الاقتصادية والترفيهية ، ومع أن تناولات إعلامية متعددة بحثت المسرح وغيابه وركزت في نداءاتها على إنشاء شكل إداري معين للمسرح، وتحولت القضية إلى شأن ثقافي نخبوي - ربما - ، مع أن الحاجة إلى المسرح وبالإضافة إلى حيويته الثقافية إلا أنه يمثل شأنا شعبيا وجماهيريا عاما، خضع رغم تجاربه الطويلة والمتعددة لنوع من الإنكار والإهمال الإداري تحولت معه كل التجارب إلى مجرد اجتهادات، وحماس فردي، ظل يلاحقه غياب التنظيم والشرعية المؤسساتية، وأسهم ذلك في تكريس صورة سلبية أو غير منطقية عن المسرح، وهي مماثلة تماما للصورة التي ظلت تلاحق كثيرا من الفنون الأخرى. يقول رجاء العتيبي الكاتب والمخرج المسرحي: المسرح لدينا ظهر مأزوما ولا يزال، والأزمة ناتجة بوصفه عنصرا في منظومة الفنون الجميلة والمؤثرة التي لا مكان لها في الأوساط والمجتمعات التقليدية، فمنذ تشكلنا الاجتماعي لم تظهر الفنون لدينا كمكون في الشخصية العامة، ولا كمشروع اجتماعي فعال، وإنما ظلت على الهامش تعمل بشكل فردي وبمجهودات شخصية، وهذه الأسباب ربما تبرر غياب كثير من الفنون كالمسرح والسينما والفن التشكيلي. لكن سؤال يمكن أن يجابه هذه الفرضية أول الأمر، فقد استطاعت فنون أخرى كالغناء والتمثيل أن تشق طريقها وأن توجد لها كيانا وشأنا فاعلا ومؤثرا رغم أن ظروفها لا تكاد تختلف كثيرا عن ظروف المسرح! إلا أن متطلبات المسرح وكونه أكثر الأعمال الأدبية التي لا تقوم على وسيط، وتتم بشكل مباشر وجمعي هو أحد الفروق بين المسرح وغيره من الفنون، فالأغنية التي تنتقل وتروج عن طريق الكاسيت، والتمثيل والدراما عن طريق التلفزيون، كلها لا تحتاج إلى اعتراف جمعي مباشر والأمر فيها متروك للأفراد أكثر من كونه متروكا للجماعة المسرح في كل ثقافة هو دلالة استقرار، وحياة التنقل والارتحال مثلا لا يمكن أن تقيم مسرحا، لأنها مرابط بثقافة الجماعة والمكان، وشكل من أشكال الاستقرار، ولعل القيم التي كانت مصاحبة لحياة الانتقال والترحل لا تزال تسهم في تشكيل الذهنية. المسرح يقع الآن أيضا تحت طائلة أن المجتمع غير مستعد له، ولا يريده، والناس لم تستوعب المسرح إلى الآن، ولكن الجموع التي تقاطرت على أماكن العرض أثناء مسرحيات الرياض تقول غير هذا، وما لم يقبله الناس ليس المسرح، وإنما صورة غير حقيقية تم تقديمها عن المسرح، وثمة جهات وأصوات هي المسؤولة عن خلق هذه الصورة غير الحقيقية، ويقول عباس الحايك (كاتب مسرحي): في منتدى المثقفين الأخير الذي عقد في الرياض، طلب أحد المتحدثين من المسرحيين أن يحزموا حقائبهم وأمتعتهم وأن يغادروا لأن لا حاجة لهم، ولأن العمل الثقافي تام وقائم دون حاجة إلى مسرح. وهذه الرؤية جزء من الأثر السلبي للصور السلبية التي تم تشكيلها وترويجها عن المسرح وعن غيره من الفنون. وبالرغم من هذا ومع أن الحركة المسرحية في السعودية لم تكد لتخرج في بداياتها حتى تعرضت إلى كثير من الرفض، الذي أثبتت الأيام أنه لم يكن رفضا شعبيا، وحتى ما كان جماعيا إنما كان استجابة لآراء لها من يصنعها ويروجها وليست موقفا عاما، وهي ذات الآراء والمخاوف التي أدت إلى تحييد كثير من الإدارات والمؤسسات المسؤولة عن الفعل الثقافي عن المسرح، وساهمت في تراجع الاهتمام العام والإداري بالمسرح، لكن ذلك لم يكن إطفاء للمسرح ولا قتلا له، فقد استطاع أن يظل على قيد الحياة، يقول راشد الشمراني: رغم افتقاد الحركة المسرحية السعودية إلى شرعية اجتماعية وإدارية إلا أنها استطاعت طوال السنوات الماضية أن تقدم أعمالا ونماذج مسرحية تتفوق على كثير من التجارب المسرحية المحيطة بنا، وفي أوساط لديها من الأهلية الإدارية ومن الدعم ما ليس لدينا. في الآونة الأخيرة حضر المسرح السعودي في فعاليات متعددة ومتفاوتة ربما كان من أهمها تجربة مهرجان الجنادرية التي أخذت تفرز للمسرح حيزا مقبولا ضمن أنشطتها، لكن الحضور الأكثر أهمية هو الذي أخذ يظهر من عامين ويتمثل في اشتمال العيد على فعاليات مسرحية أخذت تتزايد وتيرتها لتصل إلى المستوى الذي ظهر في عيد الفطر الأخير حيث شهدت الرياض لوحدها ثلاثة عشر عرضا مسرحيا. هذه العروض أثبتت أن الناس تعيش حالة من القبول والتصالح مع هذا الفن، والحشود الغفيرة التي اصطفت على مدرجات المسارح، والزحام الذي ظهر في أماكن عرض متعددة كان دليلا على أن الحاجة للمسرح مماثلة تماما للحاجة إلى الكثير من القضايا والفعاليات التي قد يظن أن غيابها دليل عدم حاجة الناس لها، وأعطت للناس وقتا وفرصة للاستمتاع بما هو غير قائم كدليل على أن قيامه سيسد ثغرة في الحياة العامة، ويقول الكاتب الأستاذ محمد العثيم: ما حدث في العيد كان اقتحاما أكثر من كونه تظاهرة، اقتحام لحالة الغياب الكبرى التي عاشها المسرح بلا مبرر وبلا طائل، وللغياب المنطقي الذي غيب جانبا مهما من المشهد الثقافي والاجتماعي والسعودي. لكن ما الذي يجعل هذا اقتحاما، وكيف تحول المسرح وغيابه وقضاياه إلى أزمة ثقافية؟ يرى محمد العثيم أن سبب ذلك يعود إلى حالات متعددة من الضغط والتخويف الذي مورس تحت عدة عناوين، وأن كثيرا من الآراء المتشددة وقفت ضد المسرح في فترات كان يحاول فيها أن يقيم ذاته بدءا مما حدث في جامعة الملك سعود والذي تصاعد حتى استطاع إقفال شعبة المسرح في الجامعة والتي خرجت أكثر من دورة (الشعبة كانت تابعة لكلية الآداب قسم الإعلام)، يقول: مع أن قرار إنشاء الشعبة جاء بناء على موافقة من المقام السامي، إلا أنه تم إيقافه بقرار إداري داخلي، وهذا خلاف ما يجب أن يكون وخلاف ما هو معمول به، وكانت الحجة التي وضعوها تلك الفترة عدم وجود طلاب وهذا لم يكن صحيحا). ما حدث إذن كان شكلا من أشكال المجابهة أكثر من كونه تقصيرا إداريا، وإنما جاء التقصير الإداري فيما بعد ذلك، حينما عجز عن استعادة المسرح وإحيائه بعد أن تعرض لعملية الإيقاف غير المنطقية. يذكر رجاء العتيبي أن اجتماعا للمسرحين مع الهيئة الاستشارية للثقافة التي استحدثت بعد تحول وزارة الإعلام إلى وزارة الثقافة والإعلام، ضم مجموعة من المسرحيين ودار فيه حديث عن المسرح، وقد تحدث فيه د. محمد الربيع رئيس نادي الرياض الأدبي وعضو الهيئة الاستشارية فقال إن الناس قبل أربعين سنة تقريبا قذفوه بالحجارة عندما هم هو وأصحابه أن ينفذوا مسرحية. لكن العتيبي يرى أن الناس الآن تقذف بالحجارة مطالبة بعمل مسرحي لا رافضة له، مشيرا إلى أن تحولات اجتماعية يجب أن يعيها القائمون على الفعل الثقافي ساهمت في تقليص دائرة غير المنطقي، ويستدل العتيبي على هذا بالحشود الكثيفة من الناس الذين اكتظت بهم جنبات المسارح في برنامج أمانة الرياض للاحتفال بعيد الفطر لهذا العام. ما يظهر الآن يدل بشكل واضح على أن أداء المؤسسات الثقافية تجاه المسرح لا زال هو الأضعف، فالأنشطة المسرحية التي نجحت واستطاعت أن شكلا مسرحيا مقبولا ومؤثرا لم تكن قادمة من مؤسسات ثقافية، فوزارة الثقافة والإعلام المبكرة، لم تقدم إلى الآن ما يمكن اعتباره خطوة للنهوض بالمسرح، وحتى حين كانت في شكلها القديم (وزارة الإعلام) لم تقدم ما يمكن اعتباره تأسيسا أو إطلاقا لحركة مسرحية، كذلك فإن الأندية الأدبية لم يحدث أن شهدت حراكا مسرحيا حقيقيا، وحين تعود إلى سجلات ناد كنادي الرياض الأدبي ستجد أنه قدم ما لا يتجاوز أربع مسرحيات، وحين تدقق في بياناتها ستجد أنها لمؤلف واحد، ومن داخل النادي أيضا، خلاف ذلك كانت فروع ما لجمعيات الثقافة والفنون تجهد للقيام بما تستطيع كنشاط فروع لا كمشروع واحد وكبير تقوده الجمعية، حين تستمع إلى المسرحيين ستجد أن كثيرا منهم يقرر غياب الجمعية أو عدم قيامها بالدور المنتظر، كل هذا يأتي ليؤكد أن الأجهزة الثقافية التي ربما تناولت المسرح أو احتاجت إليه في مشاركة هنا أو هناك، لكنها لم تقعد لمشروع مسرحي، ولم تسهم في إنشاء حركة مسرحية سعودية. يقول محمد العثيم: غياب أي بعد تنظيمي وتشريعي للمسرح ساهم في تكريس غيابه وتركه للاجتهادات الفردية وحول الغياب إلى مشروعية، وهذا ما كرس وساعد الآراء التي لا تقول بالمسرح أو تقف ضده. الأداء المسرحي الأبرز ظهر غير مرتبط بمؤسسة ثقافية، بل إن الجهات المؤسساتية الموكلة بتفعيل المسرح لم تقم بما هو مأمول، وإنما كانت النجاحات المسرحية هي تلك التي قامت بها مؤسسات كالحرس الوطني وأمانة مدينة الرياض، مما يشير إلى أن حصر المسرح في زاويته الثقافية وتحويله إلى قضية ثقافية نخبوية أمر ساهم في الابتعاد عن الجوهر الفعلي للمسرح وهو الجانب الجماهيري، فالذين تدفقوا على مسارح الرياض في فترة العيد الماضية مثلوا أكبر موقف مدافع وحاث على المسرح، واستطاعوا أن يقدموا دليلا على أن غياب المسرح يماثل غياب أي فعالية عامة سيشكل حضورها حدثا مؤثرا في الحياة العامة، وسيمثل الاستمتاع به والحرص عليه رأيا عاما يتجاوز كل التنظير الذي ابتعد بالمسرح عن أجوائه الجماهيرية والعامة وحصره في أحاديث النخب والمنظرين. لكن لدى كثير من المسرحيين خشية أخرى، من أن تكون جماهيرية المسرح عاملا يسهم في الانحدار به من مستوى راق وثقافي إلى أن يصبح مسرحا تجاريا، لكن راشد الشمراني يرى أن تحقيق المعادلة الخاصة بمسرح يحتشد له العامة وترضى عنه الخاصة إشكالية ليست مرتبطة بالمسرح السعودي، وإنما هي جزء من إشكالية الكتابة الأدبية، لكنه يرى أن فيما تم تقديمه من عروض مسرحية في احتفالات أمانة الرياض لهذا العام حملت الكثير من القضايا وحرصت على أن تجمع بين الأداء الفني الجماهيري والاشتمال على قضية وموقف ثقافي واجتماعي. إن ما حدث من نشاط مسرحي وما صاحبه من إقبال جماهيري في برنامج احتفالات الأمانة بالعيد الماضي يُسقط الحجة القائلة بعدم قبول الناس للمسرح، أو إشاعة أن حالة من الفوضى والرفض ستشيع في أوساط الناس بمجرد إزاحة الستار عن أي مشهد مسرحي، خاصة إذا ما علمنا أن المسرحي والممثل والكاتب والمخرج كلهم يتحركون في إطار الوعي بالقائم والسائد الاجتماعي ولا يمكن احتمال خروج أعمال تصادم أيا من ذلك. وإذا كان المسرح قد تجاوز وأثبت بأنشطته المحدودة والموسمية أنه واحد من أبرز الفعاليات العامة التي يمكن من خلالها فتح نافذة حرة ونافعة للترفيه والمتعة، والتثقيف وبث الوعي، وإذا كانت النشاطات السابقة قد استقطبت الآلاف من المشاهدين، وجلبت اهتمامهم، فإن مواصلة المسرح لحالة الغياب الحادة التي عاشها داخل المجتمع يعد نوعا من التعلق بالأخطاء وحالة من حالات الإهمال الثقافي والمؤسساتي، بل والوطني عامة، إذا ما علمنا أن المسرج يمثل حيزا كبيرا من ثقافات الشعوب، ويقوم بدور ربما تعجز عنه كثير من الفعاليات الثقافية ذات الأداء النخبوي أو الخاص، إضافة إلى أنه جزء من شخصية المدنية وشكل من أشكال الاستقرار، فماذا يحتاج المسرح ليكون؟ يرى مسرحيون أن مشكلة المسرح تتمثل في غيابه، أي في أنه غير قائم بشكل شرعي، فما كان يظهر في السابق ليس إلا اجتهادات شخصية، أو انفراجات يتم تقطيرها في مناسبة أو أخرى. الآن لم تعد إشكالية المسرح في السعودية إشكالية قبول اجتماعي، ولم يعد من مبرر للخوف من المسرح وخشية خروج الناس رافضين منددين خاصة وأن دائرة الوعي بالخيارات آخذة في الاتساع، ووجود مسرح لا يعني أن على جميع الناس أن تذهب إليه، أو أن تتأثر به قسرا، لكنه يظل خياراً كغيره من الخيارات، وحشود الاحتفالات الماضية تثبت أن الخوف من المسرح ربما كان حجة أكثر من كونه حقيقية أو واقعا، وحتى ما يتم تسريبه من رفض غالبا ما يكون فرديا، لكنه يأتي بصوت من يقدمون رأيهم على أنه هو صوت الجماعة الحق، علاوة على هذا، فحين يتم الحديث عن مسرح فالجميع يعي حالة قائمة من الضوابط الاجتماعية العامة، لا يمكن لأحد أن يهدف إلى تجاوزها. ما يحدث الآن يجعل جانبا كبيرا من القضية إداريا، يقول راشد الشمراني: إن غياب الأسس الإدارية والعلمية للمسرح تمثل إحدى أبرز مسببات غيابه، فلديك مسرحيون، وكتاب مسرح ومخرجون وكوادر مسرحية عالية، لكن لا توجد لديك حركة مسرحية بسبب عدم وجود أي جهة قائمة مهمتها المسرح، تماما مثل أي جهة أخرى ترعى أي نشاط آخر، وبمجرد وجود هذه الرعاية سنجد لدينا حركة مسرحية حقيقية، وما يحدث في فترة وأخرى حين تقوم بعض الجهات بتبني إقامة نشاط مسرحي ودرجة النجاح العالية التي يتم تحقيقيها دليل على أن أحد أسباب تراجع المسرح هو عدم وجود اعتراف رسمي به ومن قبل جهة أو مؤسسة رسمية. بالتأكيد، واحتفالات العيد خير شاهد على ذلك، فالأمانة تبنت ورعت ودفعت من أجل إقامة نشاط مسرحي، فكان أن شهدت الرياض لوحدها وخلال ثلاثة أيام أكثر من ثلاثين عرضا مسرحيا، ويقول رجاء العتيبي: المسرح عند كثير من الجهات التي يفترض أن تكون معنية به، يعد مجرد (نشاط) من الأنشطة ولم يحدث أن تعاملت معه أي من تلك الجهات على أنه برنامج ثقافي له استقلاله وتأثيره، ويشير العتيبي (قام بإخراج واحدة من أبرز مسرحيات العيد وهي: الشلة في ورطة) إلى دور الحرس الوطني وأمانة الرياض والتنشيط السياحي التي دعمت المسرح ماديا ومعنويا واستطاعت أن تحقق نجاحات كبرى في كل ما قامت به. إن مشروعية المسرح لا تختلف تماما عن مشروعية أي نشاط ثقافي أو اجتماعي آخر ينطلق من وجود كوادر حية وفاعلة تجد لها من الكيانات الإدارية ما يمثل رافداً مؤسساتيا يتولى إدارة الشأن المسرحي، ويقول محمد العثيم: هناك نقص في مشروعية المسرح ؛ في مشروعية العرض المسرحي والحق بالعرض وإقامة المسرحيات،فمثلا لا توجد أماكن للعرض يمكن استئجارها وإقامة العروض عليها، ولا يمكن العرض باستمرار في مسارح الجامعات أو المؤسسات الحكومية، ومثلما هناك قانون مثلا لصدور الصحيفة والمجلة، لا بد من وجود وضع إداري لعرض المسرحية، وإيجاد دور تجارية، تماما مثل قصور الأفراح يمكن استئجارها بعد إجازة النص إعلاميا، كذلك فعدم وجود أكاديمية للمسرح، أو على الأقل تبني دورات تدريبية مثلما كنا نصنع في شعبة المسرح بالجامعة الذي تم إيقافه، أو كما كنا نصنع في جمعية الثقافة والفنون. عدم وجود جهة إداري يعود إليها المسرح، وعدم توفر أماكن للعرض، وغياب أي وضع إداري يمثل مرجعية للنشاط المسرحي، كلها صفات سلبية يعيشها المسرح السعودي، وإمكانية تجاوز ذلك لا يمكن أن تتم عن طريق ابتكار وضع بيروقراطي يزيد المسألة تعقيدا، ويحول العمل الثقافي الذي يحتاج إلى أن يدار ثقافيا، إلى مؤسسة إدارية تتحرك فيها كوادر إدارية تقليدية، ولكن الطريق الأسهل للحل ربما يأتي بعيداً عن الخطوات الإدارية التي قد تشهد من التعقيد والبيروقراطية ما لا يمكن معه أن تقدم فعلا ثقافيا ناهيك عن كونه مسرحا حقيقيا وحرا، ولربما كان الحل الأمثل يتلخص في دخول القطاع الخاص إلى هذا الشأن، وطرح الربحية والمنافسة كمحرك للمسرح، تماما مثلما يحدث في الحفلات الغنائية، ويقول راشد الشمراني: بالتأكيد أن القطاع الخاص لو دخل على الخط فسيوجد مبررات جديدة للمسرح، وشروطا جديدة وحقيقية لوجوده واستمراره وتميزه. نعم.. من يدري ربما يأتي يوم يتحول فيه المسرح إلى أسهم يتم طرحها والاكتتاب فيها وتداولها، وتمر كل صباح على شرائط حركة الأسهم اسم المسارح كسهم ثقافي، وتصبح حركة المسرح جزءاً من حركة الحياة العامة. لسنا ملزمين بإيجاد نظرة اجتماعية عامة تبجل المسرح وتقبله، ومع أن نظرتنا للمسرح - كما يقول رجاء العتيبي - هي سبب سلوكنا تجاهه لكن المطلوب ليس نظرة عامة وشاملة تريد المسرح، وإنما إيجاده ضمن قائمة الخيارات التي يحق للجميع قبولها أو رفضها، مع أن كل ما هو قائم يشير إلى أنها باتت حاجة اجتماعية عامة، وجزءاً من النشاط المجتمعي الذي يواصل غيابا مفرطا لا مبرر له.