الآن، وبعد أن ملأنا العالم استنكاراً لحادثة الدالوة، وبما صدر من تصريحات حازمة من وزارة الداخلية، وسماحة المفتي، وهيئة كبار العلماء، ومجلس الشورى، نزولاً إلى الكتاب والمثقفين والمغنين والفضائيات والصحف، وانتهاءً بالطائفيين أنفسهم الذين استنكروا كما استنكر الناس! الآن، وبعد أن قدمنا للعالم صورة لأخوّة العمامة والبشت، ولأخوّة النخلة مع الصحراء، ولأخوة التراب بمعزل عن الطائفة في صورة شعبية لم ينقصها إلا النشيد الوطني. هل انتهت الحكاية أم إنها ليست سوى البداية؟ في سابقة إعلامية خطيرة قبل عدة أيام خرج علينا المعتوه البغدادي بخطاب يحرّض فيه أتباعه البغداديين السعوديين على كراهية الآخر وقتلهم والتحريض ضد جنود الأمن البواسل واستباحة دمائهم. يأتي هذا الخطاب كمؤشر على وجود الأتباع المنظمين في الداخل، الذين تقطعت سبل التواصل معهم من خلال قنوات التنظيم السرية، الأمر الذي دفع البغدادي إلى إعلان حالة الفوضى عبر رسائل مسجلة لأتباعه. وهنا يكمن السؤال الخطير: من هم هؤلاء؟ ومن يختبئ خلفهم؟ وكيف يتم تطعيمهم؟ وهل هم أفراد أم تنظيم «قاعدي» أو «إخواني» أذاب نفسه في داعش بعد الموقف الرسمي الصارم للمملكة تجاه التنظيمات الإرهابية الإسلامية؟ بدا واضحاً من خطاب البغدادي أنه لم يعد هنالك متسع للمهادنة مع أعدائه الذين أطرهم في الطوائف والمذاهب ورجال الأمن. وهنا يحاول بمكر شديد أن يشق الاصطفاف الوطني إلى قسمين، موالين، ومعارضين. وعلى الموالين ألا يخافوا وألا يقلقوا من تمدد داعش للداخل تماماً كما أوهم العشائر العراقية، الذين قدموا لداعش الأرض والعرض خوفاً من دمويتهم. كان ذلك بعد أن طمأنهم بأن هدفه الحكومة العراقية والطوائف الموالية لها أيضاً بوصفها طوائف خارجة عن الملة. خطاب البغدادي يعيد تشكيل نفسه في الشأن السعودي، وعلينا ألا ننتظر حتى يشق متطرفو داعش وحدتنا. من المهم عدم الانتظار والخروج بموقف رسمي واضح تجاه كل الحالات المتطرفة في المملكة على مستوى التعليم والهيئة والإعلام والمساجد. ويكفينا مجاملة على حساب الوطن وأمنه وأمانه.