تشير بعض الحقائق والمشاهدات الاجتماعية إلى ظهور ضرورة ملحة تدعونا إلى ربط أجيالنا الجديدة بتراثنا وأصالتنا العريقة، وتبرز المطالبات الحثيثة بالعودة إلى القيم وغرسها في أبنائنا وبناتنا، كأحد تلك الإفرازات التي تؤكد حقيقة وجود الهوة السحيقة التي ظهرت بفعل غياب مشاهد التراث والأصالة من مجالسنا ومدارسنا ومجتمعاتنا. إنني أعتقد جازماً أن في العودة إلى الأصالة وإحياء التراث ترسيخاً لعديد من القيم والفضائل التي بدأت في الذوبان، وفي نظري أن التراث أرضية حضارية مهمة ومنطلق لكل تقدم حضاري لابد وأن يتم ترسيخه في وجدان الأجيال المتعاقبة تربيةً ومعرفةً وسلوكاً، وفي تصوري أن التربية والتعليم أولى من أي جهة أخرى بإحياء التراث وربطه بالأجيال المتعاقبة، وليس في الأمر كبير مشقة، فترجمة الاهتمام بالتراث بوضع حزمة من البرامج التربوية التي تستهدف مختلف المراحل الدراسية، يعد الخطوة الأولى في طريقنا نحو تثبيت عرى الأصالة في نفوس الناشئة. وفي تعاطينا مع التراث يجب أن نوسع مداركنا نحو مفهوم واسع يشمل كل ما يتصل بالتراث والأصالة، فمن القصور أن يحصر التراث في الفلكلور الشعبي أو بعض المقتنيات التراثية، فالتراث تاريخ تليد وحضارة ممتدة وإرث كبير يمزج المعرفة بالثقافة والقيم في مجموعة من القوالب يأتي من ضمنها الفلكلور الشعبي، المقتنيات التراثية، المتاحف، الأمثال والحكم، الأشعار والقصص، الحكايات، الأساطير، الروايات، العادات والتقاليد، الأيام، الحروب، المواقف، الأسواق، مآثر العلماء وإرثهم العلمي، وغير ذلك من القوالب التي ينبغي علينا أن نكشفها ونجليها لأبنائنا وبناتنا، ونهيئ لهم فرص التلامس والتعاطي معها. لقد دأب آباؤنا وأجدادنا على نقل التراث لنا عبر مجالسهم وحكاياتهم وأفعالهم وأساليب حياتهم البسيطة، وها هو الدور يناط بنا لنواصل تلك العطاءات الرائعة التي أصَّلها أولئك الآباء والأجداد فماذا نحن فاعلون؟.