يعتقد كثير من ممتهني الفعل الثقافي أن جل خلافاتهم التي طالت وجه الثقافة مؤخراً عبر المؤسسات الثقافية الرسمية ووصل بعضها لأروقة المحاكم، إنما هي نتاج اللائحة التنظيمية للأندية الأدبية المطبقة حالياً مع ما تحويه من ثغرات قانونية جعلت إطار الفهم الدلالي لبعض التشريعات يتسع ليتجاوز الفهم الأحادي للنص ليصل للعمومية المولدة للتباين في تفسير النقاط القانونية التي يحويها النص المشرِّع. بعضهم يرجئ حل الخلافات التي نشرت عبر الصحف المحلية، كغسيل متسخ لممارسة المثقف لدينا، إلى اللائحة الجديدة التي ستصدر قريباً، التي في نظرهم ستشكل المخرج من نفق التجاذبات ونزق بعضهم لتمرير فكره الأحادي وترويج الطرف الآخر لفكره المضاد. ولو جربنا أن نعمل عقولنا في تفكيك المُشْكِل المولّد للخلاف بين هذه النخب التي صعّدت خلافاتها خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة إلى مستويات تجاوزت محيط التعاطي الثقافي داخل أروقة الأندية سنجد أن الأمر لا يعدو سببين. أحدهما ولّدته الأنا المتضخمة ويتعلق برغبة بعض النخب أن تتصدر ذواتهم فقط المشهد، بحيث لو جُلِب مثقف من خارج المنطقة التي يتبع لها النادي وأعطي اهتماماً يتناسب مع ثقله أو جيء بمثقف من نفس المنطقة ولكنه أصغر سناً وصاحب موهبة وأفسح له المجال فإن محرك الغيرة يعمل تلقائياً. الأمر الذي يثير لدينا سؤالاً مفاده، هل الغيرة المولّدة للصراع في الأندية أضحت تمثل حالة مقترنة بالمثقف أو فلنقل ببعض المثقفين؟ فهناك بعض النخب، إن لم تتم دعوتهم من قبل ناديهم الأدبي لتقديم أكثرمن مشاركة خلال العام الواحد، فإن هذا الأمر سيترجم من قبلهم بأنه تهميش لهم وانتقاص من قيمتهم الأدبية!. مما يكون مدعاة لهم لوضع المتاريس أمام عربة إنجاز ناديهم والعصا في عجلة سيرورتها الثقافية. الباعث الثاني لجّل الخلافات بين أقطاب الفعل الثقافي بالأندية الأدبية أحيله بدوري للمال. فجملة المبالغ التي منحت من قبل حكومة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله كدعم للحراك الثقافي بالأندية، بالإضافة لما يخصص للأندية من مبلغ دعم سنوي من قبل وزارتهم، قد شكل كل ذلك – في تقديري – حالة من «الطمع» المتسربل بالثقافة في الحصول على نصيب من الكعكة، أسهم تلقائياً في خروج المثقف من عباءة الثقافة إلى واقع تكون مواقفه الشخصية في تعاطيه مع صانع القرار وزملائه بالنادي، رهناً بمقدار ما يتحقق له من كسب على الصعيد المالي من خلال دعوته لإلقاء المحاضرات وإحياء الأمسيات والمشاركة في لجان التنظيم وفرق تحكيم النتاج الأدبي للآخرين وغيرها من الأعمال التي تدر عائداً مالياً لهذا المثقف. وهذا الأمر تلقائياً قد أخذ نقلة قوية للمثقف من خانة فعل الثقافة التنويري الذي يعد مهمته الأولى ويكسبه صفة المثقف، إلى خانة الكسب المادي الصرف، الذي يجعله لا يفرق عن المستثمر في شيء. لا أعتقد بأن أي لائحة تنظيمية للأندية الأدبية ستصدر مستقبلاً ستمثل حلاً للصراعات المتولدة داخل الأندية الأدبية، طالما ظلت مواقف المثقف رهناً للطمع والغيرة. فما قرأناه في الماضي، عن كون الثقافة تشكل حالة فعل يرقى بالمكون المعرفي والثقافي بمعناه الشمولي للأمة، يبدو أنه في طريقه للزوال، فالمثقف لدينا قد أصبح أكثر تماهياً مع شخصية شايلوك في رائعة شكسبير (تاجر البندقية). هو فقط، مجرد شايلوك آخر بصبغة ثقافية.