لم يكن هناك استعداد وتأهب مُسبق والأسباب كثيرة! لكننا نستطيع القول إن الأزمات تمنحنا فرصة التفكير والمراجعة للاستفادة من التجارب السابقة! تجدد الصراع بين التقليد والحداثة، يُحدث رعشة قوية في أدمغة الشباب، وعليه يتولد قلق المجتمع التقليدي من انصهار الهوية الدينية في المادية، لاسيما وأن استجابة كثير من الشباب كشفت عن قاعدة دينية هشة وفكرية جوفاء. ويأتي السؤال: ماذا كنا نفعل طيلة تلك السنين، وما الذي يمكننا فعله للمستقبل؟ يلجأ كثير من الشباب إلى نداءات الحرية والحداثة بتجديد الموروث، وهي حالة طبيعية بما أننا نعيش في عصر متجدد وسريع، لكن اللبس يكمن في نغمة الخطابات التجديدية ودوافعها وأهدافها. وكما يمكننا التفريق بين الإسلام الحقيقي والدعوات المزيفة، يمكننا أيضاً استيعاب الخطاب الحداثي التجديدي الهادف لبناء غدٍ أقوى للأمة، فضلاً عن النداءات الضحلة التي لا تتعدى اقتباسات لفلاسفة ورموز عالمية، لإحداث شيءٍ من الفوضى والتحرر الأرعن، ليس إلا. مثل هذه الأصوات تعالت كثيراً في مقاهي الشباب وتجمعاتهم حتى على شبكات التواصل، ولاقت حضوراً وإقبالاً حاشداً، لكنها عززت وجود تيار عجول ضحل، ينظر إلى السماء لكنه لا يرى وقع خطواته! هنا يأتي دور القادة، بفتح بوابة الحوار لطرح ومعالجة هذا الوضع المأزوم بشيء من الوضوح، وتقديم قراءة صحيحة حول الموروث وماهية وأهداف الحداثة، وكيفية ربطهما ربطاً وثيقاً يعزز من استحضار الثقافة الإسلامية ويجعلها عالمية متحدثة على مر الأزمنة، الخيار الوحيد لصناعة جيل واثق قادر على مواصلة البناء والنهضة، بلا غضب ربما ينجم عن شعور النبذ والإقصاء، و لسحق كُلي لمضمون التاريخ العريق. لكن ما يحدث على الضفة الأخرى، شيء مؤسف للغاية، أشبه بحرب فكرية يرتفع فيها سقف الوصاية وصوت الخُرافة باسم الدين، فينفضّ كثير من أبناء الأمة من حول الدين. يحدث ذلك بمحاولة عاطفية لإمساك ما تبقى من الموروث، وبدلاً عن تبيان ما يمكن خضوعه للتغيير مع الزمن وما يبقى ثابتاً أبدياً، يدخل الشباب في متاهة الاختيار! الخلاصة، برغم هذا التجاذب والتنافر بين التيارات الفكرية، من غير الصواب أن يتحمّل القادة التقليديون أو الحداثيون أوزار وتخبطات الشباب كلها، ناهيك عن فهمهم القاصر لجوهر الدين ومعنى الحداثة. حرية الرأي تكفل حق التعبير للجميع، وعقليات الشباب، في ذروة نشاطها، وهي قادرة على استخلاص الحقيقة العاقلة من بين الأفواه المتكلمة. ليتعوّد شبابنا على تحمل المسؤولية الكاملة لقراراتهم واختياراتهم، وبدلاً عن تقاذف التهم بين القادة وصُنّاع الفكر، لنجعل الفرد هو المسؤول الأول عن قناعاته وممارساته. البحث والاطلاع على المصادر المختلفة قبل الانسياق خلف أي تحديثات جديدة أو الإصرار على نُسخ قديمة، فرصةٌ لإشباع آفاق الشباب الفكرية وتغذيتها بالمعارف من مواردها، وصولاً للموازنة بين حالة الوعي الفكري والاستقرار الروحي، ليكون التحرر واعياً، جاعلاً من التقليد نافذة ثرية لتفعيل تجربة فكرية جديدة.