كانت نهاية المعاناة لحرب الثلاثين عاماً في عام (1648) م بعد مقتل ثلث سكان ألمانيا البالغ عددهم 21 مليونا؛ فمات أكثر من 6 ملايين بأشنع القتلات. وأما في عام (1864) م فقد بدأت كارثة لا تكاد تصدق، ولم تسلط عليها الأضواء تماماً حتى الآن، وهي حرب (الباراغواي) ضد تحالف (الأرجنتين والبرازيل والأورغواي). مات في هذا النزاع الدموي الذي استمر 6 سنوات حوالي (80%) من سكان الباراغواي، كان عدد السكان مليون وثلاثمائة ألف نسمة، لم يبق منهم في النهاية سوى (200) ألف فقط ؟!. وفي الحرب العالمية الأولى قُتل في معارك (السوم) في أوحال وخنادق الأرض الفرنسية بين (يوليو) و(نوفمبر) عام 1916م مليون و265 ألفاً من شباب أوروبا، منهم 650 ألفاً من الألمان و420 ألفاً من البريطانيين و195 ألفاً من الفرنسيين، كل ذلك من أجل تحرير بضعة أميال مربعة تافهة جرى الكر والفر حولها في 4 أشهر بئيسة لا تمحى من الذاكرة الإنسانية. وختاماً في الحرب العراقية الإيرانية عندما قتل في أحد المسالخ البشرية في معركة كربلاء 65 ألفاً من الجنود الشبان من الطرفين، دفنت فيها الأمهات الإيرانيات 45 ألفاً من أولادهن، ودفنت العائلات العراقية 25 ألفاً من شباب المدن العراقية في عمر الورد ونضارة الربيع الباسم، في حرب عقيمة مدمرة، استمرت 8 سنوات عجاف، أطول من الحرب العالمية الثانية، لم يستفد منها سوى مصانع السلاح الغربية. إن ظاهرة الحرب أصبحت قرباناً هائلاً مخيفاً من نوع جديد، وإفرازاً لتكون الدولة ونمو الحضارة في فجر التاريخ البشري؛ فالدولة نشأت على احتكار العنف من أجل توفير الأمن لأفراد المجتمع، ولكن بقدر ما ضبطت الدولة الأمن داخلياً بقدر ما أصيبت بعدوى العنف الخارجي؛ فالدولة أمسكت بالأفراد داخلياً فامتنعوا عن حل مشكلاتهم بالعنف، ولكن غول الدولة الخارجي لم يمكن ضبطه بنفس الآلية؛ فالجنس البشري ما يزال ينتظر ولادة دولة الدول، فكما أمسكت الدولة القومية والقطرية من أجل أمن الأفراد ومن خلال احتكار السلاح بشكل مونوبول برقاب الأفراد؛ فوقف عنف الأفراد ضمن الدولة الواحدة، كذلك سيصل النمو الإنساني إلى تكوين الدولة العالمية التي تحتكر الخبز والسلاح عالمياً؛ فتقضي وبضربة واحدة على المجاعات والحروب، ويتحقق الحلم البشري في السلام على الأرض والسعادة في القلوب، وهو الذي يبشر به الحج عالمياً. ويقوم الحج بتدريب الجنس البشري عليه في دورة سنوية غير قابلة للتأجيل والإلغاء وتبديل المكان، فهي دورة انعقاد مبرمجة الزمان والمكان، دولية مستمرة لا تمسك بها منظمة دولية بل قلوب البشر أجمعين، مفتوحة لكل الألوان والأعراق واللغات والثقافات والجنس، فهي محررة من كل أمراض الطاغوت البشري.