يحاول الكاتب دائماً أن يقول كل ما لديه، وأن يبوح بقدر المستطاع بكل ما يعرفه ويتوقع أنه مهم لأستاذنا القارئ، ولكنه مهما فعل لا بد أن يرضخ للقانون العجوز الذي يسير عليه الجميع كابراً عن كابر «ليس كل ما يعرف يقال» أو بالأحرى ليس كل ما يُعرف يُسمح بقوله. إذاً لا يمكنكم لوم الكتَّاب بحجة أنهم لا يرتفعون بالسقف، ولا يكتبون عن بعض فئات المجتمع كما يكتبون عن فئات أخرى؛ بصراحة هم لا يستطيعون ولا يمكنهم تحدي ما لا يسمح به الهامش الكئيب.. حسبنا أنَّ هذا الهامش رغماً عنه وبعوامل ضغط الزمن يتحسن من وقت لآخر وإن كان ببطء شديد، أو مشية سلحفاة. ربنا يعين! المعادلة الصعبة هي أن يأخذ الكاتب القارئ إلى أعلى نقطة ممكنة من البوح والحرية، وأن يتجاوز به ومعه الخطوط الحمراء والكمائن القديمة، وأن يعود في نفس الوقت دون تلفيات، أو انزلاقات مدمرة لا تُبقي ولا تذر؛ لكن تأكدوا أن المحددات الرقابية التي يرفضها العصر تذوب ذاتياً بفعل الزمن وأشياء أخرى. أخيراً لدينا مثل رائع في تهامة أتمنى أن تتذكروه كلما فكرتم في لوم كاتب: «وراء امثور عامل» بمعنى أن الثور الذي يحرث الأرض يتم توجيهه من قبل صاحبه الذي يُحركه يميناً وشمالاً وكيفما يشاء، وكل ما يقوم به هذا الثور المسكين خارج النص هو مجرد محاولات بائسة للخلاص من سطوة صاحبه، وتهيئة المكان بقدر المستطاع لمواسم زراعية مقبلة!.