رغم مُعكرات الحياة وظروف الأوطان العربية والإسلامية القاسية وما تكبدت من تناحر وتقاتل هناك وفتن وتنافر هنا، وخيبات وانكسارات على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والإنساني عند بعض، إلا أن إقبال العيد يُضفي على تلك المساحات البهجة الزاخرة بالرحمات التي تتقاطر من ربٍّ رحيم، ويبقى العيد عيداً إلهياً نجد فيه نكهة سحرية تُجبرنا على الابتسام مهما ثقُلت علينا المنغصات الجالبة للكدر الذي يستوطن أعماقنا، يُقبل العيد فينثر على الدرب رياحين الخير والبسمة المُعطَّرة بالرِّضا والقبول بما منحنا الله إيَّاه على كافة الأصعدة، نُجمِّد الآلام والأحزان حتى إشعار آخر، فالعيد هبة ربانية وعطيَّة إلهية تستوجب منَّا إحياءها بنفسٍ مُقبلة على الله جلَّ جلاله، أغلبنا يرسم للعيد ملامح تبدأ باللباس الجديد الأنيق والولائم العائلية وما يتبعها من حلويات ومشروبات ونزهات، تتنوع مابين الداخلية في نطاق الوطن أو خارج حدوده ،وكذلك الزيارات العائلية التي قد تكون بعضها سنوية وروتينية، وكثيرة هي المظاهر التي تلبسنا في يوم العيد وما يتبعهُ من أيام، وينتهي العيد وربما لم يتسن لنا تقدير هذه العطية الإلهية بشكل فعال ومُثمر على الصعيدين الشخصي بما ننال من أجر وثواب، والصعيد الإنساني بما نُقدم من عطاء يشمل من هو بحاجة ماسة إليه ويُغيِّر من واقعه المُؤلم، ليتحول إلى واقع أخف ألماً، فماذا لو تبنى في أيام العيد كل فرد من أصحاب المال الوفير والمنزلة الاقتصادية الوافرة في واحدة من مشكلات أصحاب المُعاناة مستعصية الحل لدى أفرادها، التي عجز المجتمع على مدار العام في تبني حلها؟ – مواطنون يقطنون في بيوت من صفيح، شتاؤهم وصيفهم وحش كاسر، مبادرة وعيدية واحدة من ذوي المكانة الاقتصادية الرفيعة، تُغير معاناة هذه الفئة لتتحول إلى حياة طبيعية كباقي المواطنين. – كم من شاب أعزب وصل لسن من المفترض أن يتزوج ويُكمل نصف دينه، لكن تكاليف الزواج الباهظة عرقلت حياته، لو بادر كل فرد مُتمكن مادياً من مد يد العون لشاب واحد وتزويجه، ولنقل 10 أفراد أو أكثر تبنَّوا شابا واحدا فكم من مُساهمة لبناء أسرة ستبدأ خطواتها. – أُسر فقدت من يعيلها أو من كان له دور الداعم في إعالتها بسبب وفاة أو سجن، لأسباب لا تتعارض مع الأخلاق، كالعجز عن سداد دين أثقل كاهله، أو ظلم وقع عليه وغابت الحقيقة، فكان موطنه السجن، وكما يُعبِّر المثل بالقول : «ياما في السجن مظاليم»، فلأي سبب كان ولوجه السجن؟ أسرتهُ خارج نطاق تلك المعادلة، فمثل هذه الأسر تحتاج لمن ينظر لها نظرة إنسانية، ومجتمعنا مليء بأصحاب الإمكانات التي تُؤهلهم لإنهاء بعض معاناة تلك الأسر. – ما أقسى مشاعر أب يتلبسهُ العجز عن إعالة أسرته بسبب ضعف راتبه أو مرض أو أي سبب كان، خاصة إذا كان يقطن مسكنه بالإيجار، وغالباً أصحاب العقار لا يرحمون العاجزين عن دفع الأجرة في وقتها، فما أثقلها وما أصعبها من مُعاناة لمثل هؤلاء الآباء، وما أعظم أفراداً استشعروا معاناة مثل هذه الفئة وكانوا لهم ظهراً وسنداً لوجه الله الكريم . – أنا وكافل اليتيم كهاتين، نبذل المال والهدايا لأبنائنا وزوجاتنا وأهلنا في هذا اليوم البهيج ،ونضع الميزانية المُضاعفة عن بقية الأشهر لنُضفي على عائلاتنا أجواء مميزة وغير رتيبة وروتينية، وفي مكان ما يتيم يفتقد أباه بما يحمل من عطف وحنان وعطاء وبذل، فتتحول حياته إلى حال مُتشبعة بالحرمان، خاصة إن كان مصدر العطاء انقطع بغياب صاحبه، وكثيرة هي مُعاناة أفراد المجتمع لا يُحصيها مقال. حلم يراودني كلما رأيت فعاليات العيد الترفيهية الكثيرة، والمهرجانات الثقافية والتراثية التي تزداد عدداً وتوسعاً كل عام، ماذا لو أقيم في كل عيد «مهرجان العيد تكافل» وبتنظيم موسع وبكوادر متخصصة في مجالات متعددة دينية واقتصادية واجتماعية … الخ، لتُنظم مهرجاناً يتكافل رواده بإمكاناتهم مهما تباينت، ويتجاوزوا بحرفية ومهنية وإتقان باستقطاب ذوي الأيادي البيضاء والضمائر الناصعة، لينهوا بعض معاناة أفراد مجتمعنا، وكلّ له مبادرته وفكرته وأدواته المُتاحة، لنستخلص من هذا المهرجان إنجازات واقعية ودائمة الأثر وليست وقتية وزائلة بعد انقضاء المُناسبة، فماذا عسانا أن نُنجز بعد 5 أعوام من قيام مثل هذه المبادرات؟.