عندما تشاء الأقدار أن تسكن روحك مكانا لم تألفه وأرضا لا تعرفها، وإن كان جزءا من وطنك إلا أنه مكان قصي لم يخطر على البال العيش فيه ذات يوم، فتجد نفسها مُجبرة على أن تحزم تلك الحقائب بدموع خديها لترحل إلى ديار لم تطأها من قبل، وربما لم تسمع بها، لتقطع الطرق الموحشة والقفار وربما غرست أحلامها وسط الكثبان قبل الوصول، وبعد رحلة البحث عن المقر الذي من المفترض أن يكون عيشا وحياة وأُنسا لها، تلقى ذاتها وحيدة تصارع الخوف والوحدة بعد رحيل من استودعها الله في ذلك المكان ليجتمع على كتفيها همّ الغربةِ، وهم رسالةٍ أوكلت، وتوكلت إليها ومن أجلها سعت، حياة ملغمة بالحرمان والشعور بالعزلة والمشقة. ومن هنا وهناك تظل وزارة التربية والتعليم تزج بالمعلمات في كل البقاع وأقاصي الديار ليستمر مسلسل الترحيل المعاكس باتجاهاته الأربعة لمعلمات الوطن، فالأنثى ليست كالرجل قد تمر بمواقف صِعاب تقسم ظهرها بلا معين يساندها مُر الحياة فتتحمل وحدها أعباء السكن والمأكل والتفاوض مع السائقين الذين ربما استغلوا ضعفها وقلة حيلتها لتقع فريسة الاستغلال والجشع، وتكون كمن يقع بين السندان والمطرقة. هكذا هي حياة المعلمة المغتربة تُلازم العناء من أجل أن تُنير طريق أجيال المستقبل وتُطفئ نور قلبها ليسكنه الشوق والحنين للولد والأهل والدار فتجد نفسها في نهاية المطاف على قارعة الموت.